Al Jazirah NewsPaper Friday  28/05/2010 G Issue 13756
الجمعة 14 جمادىالآخرة 1431   العدد  13756
 
ما أروع أن يقتصد الإنسان!!
ناصر محمد الحميضي

 

إنّ من بديهيات ومسلّمات الحياة أن يأخذ الإنسان من كل شيء على قدر الحاجة ويترك ما يتبقى لمن يحتاجه في المأكل والمشرب والملبس ،وإن دل على شيء فهو يدل على الوعي الاستهلاكي ورقي المجتمعات وتحضرها، بل إنّ الدين الإسلامي قد أمر بالاقتصاد ونهى عن الإسراف والتبذير لقوله تعالى {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ .. الآية} وقوله تعالى {وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا .. الآية} وحينما يكون الإنسان مقتصداً فإنه لا يؤدي فقط إلى خدمة نفسه وتوفير مصاريفه بل يشمل المجتمع بأسره، حيث يوفر الباقي أو الزائد عن حاجته إلى الآخرين (وما يشبع غني إلاّ وجاع فقير) كما قيل، ولأنّ الإسراف والتبذير وعدم الاقتصاد يساهم في ظاهرة الغلاء والتضخم وقلة المخزون وارتفاع الأسعار ومحدودية الإنتاج، مما يؤدي إلى انهيار اقتصاديات العالم، وإن ما يدخره الإنسان اليوم حتماً سيجده في الغد كما يقول المثل الشهير (احفظ المال الأبيض .. لليوم الأسود) وحينما يطبق الإنسان مبدأ الاقتصاد في جميع شؤون الحياة حتماً سيستغني عن الحاجة إلى الناس ولا يمد يده إلى أحد طلباً للمساعدة والقرض بعكس الإنسان المبذّر المسرف، حيث لا يكاد ينتهي آخر الشهر إلا وتجده يستدين من الآخرين ويريق ماء وجهه كل ذلك لأنه لم يكن مقتصداً في مصروفاته وقد قيل (من اشترى ما لا يحتاج إليه .. باع ما يحتاج إليه)، فالواجب قليل من الحكمة والتعقل في أمر التسوق وأن لا يلجأ الإنسان إلى شراء ما يحتاج إليه بالفعل وبشكل معقول واقتصادي بعيداً عن الإفراط والتفريط وإقامة الولائم في كل مناسبة حتى ولو كان محدود الدخل، وقد يستدين من الآخرين لذلك.

وإنّ من واجب الأسرة والوالدين تشجيع الأبناء على الاقتصاد وفتح حساب توفير لهم وتربيتهم على عدم الإسراف والتبذير لأنه أمر مذموم ومحرم وإعطائهم من المال على قدر حاجتهم فقط ولا يعني ذلك البخل والتقتير، لأنّ هناك فرقاً كبيراً بين الإنسان المقتصد والإنسان البخيل فالمقتصد يصرف في حدود المعقول وعلى قدر حاجته أما البخيل فهو الإنسان الذي لا ينفق المال حتى عند الحاجة الماسة للإنفاق فالوسط هو المطلوب لا إفراط .. ولا تفريط، أي يوازن الإنسان نفسه في مصروفاته.

وإنّ من الأمور المؤسفة والمؤلمة ما نراه اليوم في ظاهرة الإسراف والبذخ وخاصة في حفلات الزفاف والولائم الكبرى بإقامة ولائم تكفي لإطعام مئات الأشخاص، في حين أنّ المدعوين يعدوّن بالعشروات والمتبقي من الأطعمة والأشربة يرمى في حاويات القمامة، في منظر مؤسف وغير حضاري، بل وغير ديني وإنساني، فما أروع أن يقتصد الإنسان ليطعم ويكسو أخاه الإنسان الفقير والمحتاج.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد