Al Jazirah NewsPaper Friday  28/05/2010 G Issue 13756
الجمعة 14 جمادىالآخرة 1431   العدد  13756
 
أزمة (أسماء)!!
عمر بن عبدالعزيز المحمود

 

ربما تبادر إلى ذهن القارئ العزيز - وهو يقرأ أحرف هذا العنوان - أنني سوف أتحدَّثُ في هذه الأسطر عمَّا تعانيه (أسماءُ) هذه من أزمةٍ تعرَّضت لها؛ وبالتالي فهو ينتظرُ كشفاً لشخصية هذه ال(أسماء) المزعومة، وشرحاً مُفصَّلاً للأزمة التي تعاني منها، حتى إذا ما استجديتُ لأجلها طلباً للمساعدة (المادية) أو التعاطف (المعنوي) فإنه يستطيع حينها أن يحدد استحقاقها لذلك من عدمه.

لكنني أبادِرُ هنا لأعلنَ خيبة توقُّعه من الأساس؛ فليس في الموضوع استجداءٌ ولا مساعدةٌ ولا تعاطف، بل ليس في القضية أصلاً امرأةٌ تُدعى (أسماء)، كما أنه ليس في العنوان أيُّ خطأ إملائي أو طباعي.

وعلى هذا فلا شيء حقيقيًّا تخيَّلهُ القارئ وتوقَّعهُ مِن هذا العنوان سوى (الأزمة)، لكن - مع هذا - فإنَّ المعنى الذي سيتصوره عقله لهذه اللفظة أصغر بكثير مما أقصده في هذا المقال؛ فهي ليست كأية (أزمة) يُمكن أن تُعالج بالأساليب التقليدية، كالوقوف مع صاحبها قلباً وقالباً، أو مدِّ يد العون والمساعدة إليه حتى يتجاوزها، بل هي أكبر من هذا، هي باختصار أزمة فكر وثقافة، وأنَّى لمثل هذا النوع من الأزمات أن ينجلي بين عشية وضحاها؟ أما صاحبتنا (أسماء) هذه فليست سوى جمع (اسم)، ولهذا المقال قصة قصيرة سترويها السطور التالية؛ فلعلها تبيّن لكم شيئاً من ملامح هذه الأزمة التي أقصدها، فاستمعوا وعُوا.

كنتُ قد اعتدتُ حضور اجتماعٍ خاصٍ بالعائلة الكبيرة للمعايدة يُقام سنوياً في إحدى الاستراحات، وفي مثل هذه اللقاءات نلتقي بأفراد من العائلة ربما لا نراهم إلا في هذا اللقاء؛ فيحصل التزاور والتآلف، وتُقام بعض الأنشطة والفعاليات خلال ذلك اليوم بما يحقق المتعة والفائدة معاً.

وقد كان كل شيءٍ على ما يُرام إلى أن لاحظ بعض القائمين على الاجتماع أن كثيراً من أفراد العائلة لا يعرف بعضهم بعضاً إطلاقاً، فربما تجد الاثنين يتبادلان الأحاديث ويطلقان الضحكات وأحدهما لا يعلم شيئاً عن الآخر سوى أنهما مشتركان في العائلة الكبيرة.

وإذا ما استثنينا الشيوخ والكبار فإننا نجد أنفسنا أمام معضلة كبرى في التعارف، خصوصاً فئة الشباب والأطفال الذين يتوافدون للسلام عليك وأنت لا تعرف منهم أحداً البتة؛ وربما يذكر أحدهم اسمه الثلاثي أو الرباعي وهو يُعانقك فلا يُجدي ذلك نفعا؛ ولذلك فقد اقترح أحدهم اقتراحاً جميلاً يقضي بحثِّ أولياء الأمور على وضع بطاقة صغيرة على صدر ابنه مكتوباً فيها اسمه الخماسي أو السداسي وربما السباعي كذلك؛ حتى يتسنى للآخرين أن يعرفوه.

لقد كان هذا الاقتراح وتطبيقه هو الشرارة الأولى التي لفتت انتباهي إلى هذه الأزمة، فقد عجبتُ كثيراً وأنا أنظر إلى هذه الأرتال من الأسماء المتشابهة بشكل يلفت الانتباه ويثير التساؤل حول حصر التسمية بأسماء محدودة جداً، وكأننا نعاني أزمة حادة من إيجاد أسماء جديدة لهؤلاء الأبناء.

تتأمل في إحدى هذه البطاقات التي زينت صدور أبناء العائلة الكريمة فتُفاجأ بأن الاسم (السباعي) الذي احتل سطرين من البطاقة ما هو في الحقيقة سوى اسمين فقط، لكنَّ كل واحد منهما قد تكرر ثلاث مرات، فمَن اسمه مثلاً (إبراهيم بن محمد) سيكون من السهل عليك أن تعرف بقية اسمه ولو لم تنظر إليه؛ لأن الاسم الكامل سيكون: إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن محمد.. وهكذا دواليك، ثم يأتي الختام بالعائلة الكبيرة، وقل مثل هذا في بقية الأسماء، ولاحظ هذا في بقية العوائل.

ولا أعتقد أنه سيغيب على القارئ الكريم سبب انتشار مثل هذه الظاهرة، وهو سببٌ من الجدير التوقف عنده، فلا علاقة لهذه الأزمة بقلة الأسماء أو العجز عن البحث عن أسماء جديدة، إنما العادات والتقاليد العجيبة هي التي فعلت ذلك، وهي التي حصرت أسماء محددة في عوائل معينة؛ وذلك لأنَّ الفرد من هذه العائلة إذا رُزق بابن فإنه يرى أنه من الواجب عليه أن يسميه باسم أبيه، أما الذي بعده فباسم جده، وربما انتقل للأعمام فسمى بأسمائهم، وكذلك يفعل بقية الإخوة، ثم يفعل الجيل التالي كفعل آبائهم، وهلم جرا، حتى تترسخ هذه الأسماء في هذه العائلة فيصبح الاسم الواحد مُكرَّراً لديها عشرات المرات.

إنني أعرف أنَّ صور البر بالوالدين كثيرة، ربما لا أستطيع أن أُحيط بها كلها، ولكنني أستطيع أن أؤكد جازما أنَّ تسمية الابن باسم والده ليست داخلة ضمن تلك الصور إطلاقا؛ فليس هناك دليل لا من القرآن ولا من السُّنة ولا من غيرهما على أن تسمية الابن باسم جده تُعدُّ من بر الوالدين أو الإحسان إليهما أو احترامهما وتقديرهما، ومَن لديه غير هذا فليُسعفنا به.

لقد ترسخت هذه الثقافة في أذهان كثير من الناس، وصارت لديهم فِكراً يُعتنق، وظنَّ بعضهم أنَّ التحوُّل عن هذا المنهج إنما هو صورة شنيعة من صور عقوق الوالدين؛ ولذا فلا عجب أن ترى مَن يستنكر عليك وربما وصفك بقلة الأدب إذا سميت ابنك بغير اسم أبيك، وأمثال هؤلاء سيطرت عليهم هذه الثقافة وعشعشت في عقولهم لا لشيء سوى أنهم وجدوا آباءهم على أُمَّةٍ وهم على آثارهم مقتدون.

والأعجب من هذا أن ترى الوالدين يغضبان حينما لا يسمي الابن أبناءه باسميهما، وتجد منهما التبرم والضيق حينما يخرج الابن عن هذه العادة التي ما أنزل الله بها من سلطان، بل ربما كرهوا حفيدهما وأباه لأجل هذا السبب التافه.

إنَّ مَنْ يتأمل في أبعاد هذه الثقافة وينظر إليها بعين الحصيف المستشرف للمستقبل يدرك أنها تُسبِّبُ كثيراً من الإشكالات، وسأكتفي في ختام هذا المقال باثنين منها لعلَّ المتعصبين لهذه الثقافة أن يلاحظوا البقية.

أما الأول فهو ذلك الخلط والتشابه في الأسماء بما لا يتميز معه الاسم المقصود، وقد لاحظت ذلك حينما تصلني على الهاتف رسائل إخبارية من العائلة، كتلك التي تدعوك لزواج فلان أو تنعى إليك وفاة علان، ووقتها تضرب أخماساً بأسداس وتسأل وتبحث حتى تعرف الشخص المقصود من الخبر، وحينها تكون قد فاتتك (وليمة العرس) أو (الصلاة على الجنازة).

أما الثاني فهو انتشار الألقاب و(المعايير)، وهذا وإن كان على المدى الطويل إلا أنني لا يمكن أن أغض النظر عنه، فبسبب تشابه الأسماء واختلاط حابلها بنابلها يضطر البعض إلى اللجوء إلى التنابز بالألقاب وابتكار (معايير) قبيحة ليستطيع تحديد الشخص المقصود، بل إن بعضهم يجاهر ب(معيارته) إذا لم يستطع الآخر أن يتعرَّف عليه بسبب اختلاط الأسماء، فهل تلومونه في ذلك؟



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد