Al Jazirah NewsPaper Friday  28/05/2010 G Issue 13756
الجمعة 14 جمادىالآخرة 1431   العدد  13756
 
لا عزاء لأخصائيات الخدمة الاجتماعية
نادر بن سالم الكلباني

 

أسئلة كثيرة تطرق ذهني لا أجد أجوبة لها، وتعديات على حقوق لا أرى مبرراً لها، غير أنني أسترجع مع كل موقف ومع كل خيبة أمل ألمسها تُصدم بها أخصائية خدمة اجتماعية لا تزال تنتظر وبسذاجة غريبة مطراً من غيمة لا مطر فيها.

أحياناً - وأحياناً هذه تعدى تكرارها حد المعقول لغوياً - نتبنى سلوكاً أو نسير في نهج ورثناه ممن سبقنا، نحرص على أن نورثه لمن يأتي بعدنا دون أن نفهم لِمَ ننتهج هذا السلوك.. أو ذاك أصلاً، ولِمَ نُصر على أن نبقيه دون تغيير حتى وإن صُفعنا بألف حجة وحجة، وأقحمنا بألف منطق ومنطق، فقد تعودنا - والتعود أخطر داء - على أننا في بعض ما يمر علينا في حياتنا لا نمعن عقولنا أبداً، ولا نسمح لها بالتفكير والتحليل أو تقييم الأمور لتتبنى الصالح منها، أو لتحد من سلبيات ما لا يمكن إصلاحه، فتسير هذه الأمور في حياتنا ككرة ثلج تكبر مع الزمن، وتكبر معها مشكلاتها، ويكبر بطبيعة الحال ما يترتب على حلها، فيثور فينا عندما تتأزم الأمور عنادٌ لا مسوغ له غير أننا نهرب به من مواجهة مصائب نعرف أننا شاركنا في إيجادها بشكل كبير ومباشر.

هذا التخصص المنحوس.. وأعني به أخصائية خدمة المجتمع، لا أصل للنحس فيه ولا يتلبسه النحس إلا في مجتمعنا نحن فقط، لأننا لم نفهم دور أخصائية الخدمة الاجتماعية، ولم نسمح لعقولنا أن تفهم، حتى ونحن نردد في كل مقام ومناسبة ما لدور أخصائية الخدمة الاجماعية من أهمية في تحقيق التوازن بين التنمية الاجتماعية والتنمية المادية دون أن تتسع الهوة الثقافية بينهما، أما لِمَ فلا يُعرف السبب، لكنه سلوك نُقل من السابقين يحرص عليه أصحاب القرار الحاليون وسيورث للاحقين دون أن نفهم لِمَ تواجه الأخصائية الاجتماعية هذا الإبعاد وهذا التكاتف الغريب في وأدها ووأد أحلامها وقدراتها، وحرمان مجتمعها منها يبتر المنفعة المرجوة من وجودها على الرغم من ارتفاع صوته بحاجته الماسة لوجودها وعلمها، ولِمَ إن كنا لا نرى لها دوراً في حياتنا نصر على إبقاء كلية متخصصة، يتخرّج فيها هذا الكم الهائل من المنبوذات لنزيد من حجم البطالة في عالم لم يعد فيه متسعٌ للمزيد منها؟

تخيَّلوا معي كلية متخصصة تخرج في كل عام آلاف الأخصائيات الاجتماعيات، لا يتخرجن إلا بعد إعدادهن إعداداً جيداً وتدريبهن ليتمكّن من اكتشاف ومعالجة المشكلات الاجتماعية وربط السلوك الاجتماعي بالمتغيرات والظروف الأسرية والاجتماعية، وربط النظرية بالواقع والممارسة وفتح مجالات عديدة لتصحيح انحرافات السلوك العام قبل أن يصبح مشكلة أو حالة تتطلب علاجاً أعمق لا يعيد الإنسان إلى ما كان عليه قبل المشكلة، ويُصرف عليه أموال طائلة كان بالإمكان توجيهها في الأصل للحفاظ عليه، وغيرها من الأدوار التي يحتاجها، بل ولا يقوم مجتمع سوى بدونها، لا يُوجد في وزارة الخدمة المدنية مسمى لوظائفهن في المجال المدرسي، ويتم إبعادهن بمبررات عقيمة لا أساس للمنطق فيها، وتسرق وظائفهن وأدوارهن جهاراً نهاراً وتحوّل إلى معلمات مللن الوقوف في الصف وآثرن حسب ما يفهمن الراحة، فلم يجدن غير دور الأخصائية الاجتماعية ليشيّدن استراحاتهن وتبلد أفكارهن فيه، ولتذهب الطالبات ومشكلاتهن وحاجاتهن إلى ما شاء الله، فيأتي سلوك الطالبات ومتابعة احتياجاتهن مبتوراً ناقصاً لا يستند على علم وتخصص، ليزداد في واقعنا هذا الكم الهائل من الظواهر الغريبة التي نجدها في المجتمعات المدرسية كازدياد حالات الشذوذ، والفتيات المسترجلات وغيرها من الظواهر التي تؤكد عدم وجود متخصصة لمواجهتها في بداياتها ومتابعتها وتصحيحها قبل استفحالها.

تسأل المعنيين لِمَ يحدث هذا ويُهمش دور أخصائية الخدمة الاجتماعية على الأقل في المجال الدراسي رغم الحاجة الملحة له، ليأتي الرد أسخف من أن يُقال بعد التحجج أن الأخصائية الاجتماعية غير تربوية، وكأن التربية المعدومة التي تتباهى بها وزارة التربية ظهرت في سلوك المعلمات الأخريات، وتأثر بها طالباتهن.

وتسأل أصحاب الاختصاص الذين يُدرِّسون هذا التخصص ويثرونه بما لديهم من علم ومعرفة، لِمَ لا ترتفع أصواتهم إن كانوا يؤمنون فعلاً بقيمة ما يدرِّسونه، ويطالبون ولو مجرد مطالبات بأن تُوضع الأمور في سياقها الطبيعي، وتمنح أخصائية الخدمة الاجتماعية فرصتها لتمارس ما تعلمه، ليأتي الرد فتفهم منه أن أصل المشكلة فيهم وفي ضعفهم ولا مبالاتهم، والناس لا تحرص على أمر لم يحرص صاحبه عليه، لتجد هذه المنحوسة المُكنَّاة بالأخصائية الاجتماعية نفسها، وقد تُركت وحيدة ممنوعة من حقوقها، وهذا وجه من أوجه عالمنا الغريب... والله المستعان.



naderalkalbani@hotmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد