Al Jazirah NewsPaper Monday  07/06/2010 G Issue 13766
الأثنين 24 جمادىالآخرة 1431   العدد  13766
 
فرصة العرب الذهبية!
محمد بن عيسى الكنعان

 

تدهورت العلاقات التركية الإسرائيلية خلال الأيام القليلة الماضية بشكل لم يسبق له مثيل، لدرجة أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أعلن إمكانية خفضها إلى أدنى مستوى،

وأنها لن تعود لسابق عهدها حتى يُرفع الحصار عن غزة، وذلك على خلفية العدوان الإرهابي الإسرائيلي على سفن أسطول الحرية التي تتقدمها سفينة (مرمرة) التركية، حاملةً نشطاء وحقوقيين ومتضامنين من دول مختلفة، مع تجهيزات ومعونات طبية وغذائية وتعليمية للشعب الفلسطيني المحاصر في غزة، ما نتج عن ذلك العدوان قتل (20 متضامناً) أغلبهم من الأتراك. هذه الحادثة التي تشكل نصراً سياسياً للطرف الفلسطيني هي امتداد متصاعد في سلسلة توتر سياسي واضح بين تركيا وإسرائيل منذ عامين، لكن مؤشرات توتر العلاقات بينهما ظهرت بشكل وفعلي وجلي على المسرح السياسي عقب الموقف التركي الذي جسّده رجب طيب أردوغان أواخر عام 2008م بتحميل إسرائيل مسئولية العدوان الإجرامي على غزة لأنها هي التي خرقت الهدنة، ثم الموقف المشرف الذي اتخذه أردوغان في منتدى دافوس ضد الإرهابي شمعون بيريز في يناير 2009م، وما زاد المسألة تعقيداً قيام الحكومة التركية باستبعاد إسرائيل من مناورات دولية على أراضيها مقابل تعزيز العلاقات مع سوريا لدرجة إعلان مناورات مشتركة معها. أضف إلى ذلك تسرب معلومات إلى الجانب التركي تفيد أن الموساد الإسرائيلي قام بتدريب عناصر من جماعات كردية تركية انفصالية، فضلاً عن تأثيرات أخرى لا تقل شأناً كالمسلسل التركي (الوداع) الذي دفع وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى طلب استدعاء سفير تركيا لديها، احتجاجاً على هذا المسلسل الذي يصور الحرب في غزة بإظهار الإسرائيليين وهم يقتلون الأطفال، وكذلك الحال بالنسبة لمسلسل (وادي الذئاب) أوائل العام الجاري 2010م.

هذه الأمور دفعت صحافة الكيان الإسرائيلي - في تلك الفترة - إلى الدعوة الصريحة باستغلال العامل السياحي للضغط على حكومة أنقرة لتبديل مواقفها السياسية وتصريحاتها الإعلامية المتعارضة مع المصالح الإسرائيلية، بدعوتها لإيقاف تدفق السياح الإسرائيليين إلى تركيا الذين وصل تعدادهم قرابة 300 آلاف سائح العام الماضي، وكذلك الامتناع عن شراب القهوة التركية إشارة إلى أهمية الجانب الاقتصادي في تأثيره على هذه العلاقات التي لم تتعرض لهذا التوتر الذي تزداد فجوته بين الجانبين منذ اعتراف تركيا بإسرائيل عام 1949م ليكون جواز دخولها النادي الأوروبي، ومروراً بكل المحطات السياسية والاقتصادية والعسكرية المشكلة لطبيعة هذه العلاقات التي بدأت في اتفاق تبادل معلومات استخباراتية في الخمسينيات الميلادية، تحول إلى اتفاق أمني في السبعينيات الميلادية، ثم انتقلت فعاليتها إلى الجانب الاقتصادي في الثمانينيات الميلادية، غير أن التحول الأبرز لهذه العلاقات كانت في عقد التسعينيات الميلادية، حيث شهدت زيارات متبادلة رفيعة المستوى ومكثفة بين الجانبين، توجت بزيارة سليمان ديميريل رئيس الوزراء التركي إلى إسرائيل، نتج عنها توقيع اتفاقيات اقتصادية وعسكرية، أبرزها الاتفاق العسكري التعاوني عام 1996م، وقد بقيت هذه العلاقات في معدلاتها الطبيعية، إلى أن تسلّم حزب (العدالة والتنمية) الحكم في تركيا بعد فوزه الساحق في الانتخابات عام 2002م.

إذا ً الهوة بين إسرائيل وتركيا اليوم اتسعت بشكل كبير جعل الإدارة الأميركية تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه كي لا تقع في مفترق المفاضلة بين الحليف الإسرائيلي والحليف التركي، خاصة أن حجم التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل تأثر بشكل سلبي في ظل تدهور العلاقات بين البلدين، بتسجيل أدنى مستوى له خلال عام 2009م، حيث هبط بنسبة (28%)، بواقع مليارين ونصف المليار دولار مقارنة ً بعام 2008م، بل إن تقريراً صادراً عن مؤسسة التصدير الإسرائيلية يشير إلى أن الاستيراد من تركيا هبط خلال العام الماضي بنسبة تقارب (24%) بواقع مليار و400 ألف دولار, بينما هبط مستوى الصادرات الإسرائيلية إلى تركيا بنسبة (33%) بواقع مليار و100 ألف دولار.

في المقابل فإن تدهور العلاقات التركية الإسرائيلية فرصة (ذهبية) وتاريخية للعرب لتعزيز علاقاتهم السياسية ومصالحهم القومية واتفاقياتهم الاستراتيجية مع تركيا أفضل من ذي قبل، خاصة ً الدول العربية الأكبر والأقوى تأثيراً في المنطقة، فبغض النظر عن الرباط الديني أو الجوار الجغرافي الذي يجمع العرب بالأتراك، إلا أن هناك مكتسبات عظيمة من تقوية العلاقات مع هذه الجارة المسلمة التي تعد من أكثر دول المنطقة حضارةً ورقياً، خاصةً أن الشعب التركي يشكل شريحة مهمة في نسيج الأمة، بل لقد أثبت هذا الشعب العريق أنه منسجم مع كامل قضايا أمته وداعماً لها بدليل أنه أيد مواقف حزب العدالة والتنمية في حرب غزة بنسبة (80%).

إن ما تبحث عنه تركيا في علاقاتها مع إسرائيل يجب أن تجده في عالمنا العربي، وبالذات المجالات الفاعلة العسكري والاقتصادي والسياحي والثقافي، لأنها كفيلة في تعبيد العلاقات السياسية بين العالم العربي وتركيا، بل وفي إقناع المؤسسة العسكرية التركية في جدوى هذه العلاقات، كي تبقى المصالح العربية لدى تركيا في مستوى أعلى من المصالح الإسرائيلية وسابقةً عليها، خاصة ً أن صحافة الكيان الصهيوني تعتبر أن العلاقات الإسرائيلية التركية قد وصلت الحضيض.



Kanaan999@hotmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد