Al Jazirah NewsPaper Monday  07/06/2010 G Issue 13766
الأثنين 24 جمادىالآخرة 1431   العدد  13766
 
لما هو آت
من حيث يكونون..!
د. خيرية إبراهيم السقاف

 

عرفنا ونحن صغار أن الريح والهواء ونسائم المواسم، تحمل البذور من مكان لآخر، فتنبت الأشجار، وتتلاقح ومن ثم تثمر، وعرفنا أن لا حواجز تمنع الهواء ولا حدود للطير، وعندما كبرنا، أيضاً عرفنا أن هناك أشجاراً لا تنمو حيث الحرارة ولا ما يمنع غيرها من الإثمار معها، غير أن الحياة الطبيعية لا تقيم حواجز لمياه البحر والنهر حين يكونان على امتداد يمكن أن تدخل أجزاء منه في تقسيمات البشر، وانتماءاتهم، بمعنى أن الماء والهواء والشجر والثمر والطير طليقون في مساحات الأرض لا ينتمون لدولة، ولا يحملون هويات، فهم خارج مدارات البشر السياسية، وتقسيماتها، وهوياتها...

الماء المتحرك، والهواء المتنقل، والبذور النامية، والأشجار المتلاقحة والأجنحة المحلقة، لو يتأملها الإنسان وهي طليقة لا حصار وإن أقامه الإنسان، ولا حدود وإن وضعها، ولا هويات وإن وسمها وصنفها، وكلها شاهدة ناطقة بسجن الإنسان نفسه، كما هي باعثة للشفقة عليه، ولأنها في ملكوت الله تؤدي ما خلقت له من الأدوار دون أن تخدش فطرة الله فيها، فإنها أشد سعادة من البشر، ذلك لأنها في سيرورة منتظمة، وفي أفلاك ميسرة، تزيد الكون جمالاً وانسيابية، وتضفي على حركته جمالاً وتضامناً، أما الإنسان فيسخر لغاياته كل شيء حتى اتجاه الفلك في البحر, ويصنع حواجزه وأغلاله..

الإنسان في أسوأ صفاته، وفي أجملها من يحسب أنه يبني وهو يفتك, إنه العامل الأول في دمار البيئات الطبيعية، بمثل ما هو الهادم الرئيس لكل قيم الحياة في فطرتها النقية...

ما يحدث في القرية العالمية في الراهن من أحداث ومواقف، وضعف وقوة، ومرواغات، وانهزامات، وحصارات، وتجاوزات، وتماثل واختلاف، وقوة وخور، وجعجعة وانطفاء، هي صكوك موثقة ضد الإنسان، الذي حين وقف في خانة الحصار بكل هوياته، وفروقاته، وقوته وضعفه، وتقدمه وتخلفه، وطبقاته وتصنيفاته، فإنه عجز عن أن يكون كالماء والهواء والأشجار والبذور والطيور، بل الأصداء لأي الأصوات, تلك التي ينقلها الهواء أبعد مما يمكن أن تنقله به أقدامه المكبلة بقيود حرياته التي حوصرت من حيث لا يقوى..مهما تعاظمت قوته..



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد