Al Jazirah NewsPaper Monday  07/06/2010 G Issue 13766
الأثنين 24 جمادىالآخرة 1431   العدد  13766
 

نظرة ما
الثقافة كـ(سلعة)!
جار الله الحميد

 

(وحده البابلي استفاق

وحده البابلي

ومضى في ليالي المحاقْ

وحده البابلي

ليته لم يكنْ وحده

ويا ليته لم يكن كوكبا في سماء العراقْ)

محمد الثبيتي

يجري استغلال (الثقافة) كغيرها من النشاط الإنساني في نواح ٍ بعيدة ومناقضة للثقافة، وهذا أمر لا يستحق النواح ولا نظم البكائيات العصماء فيه. إن الأمر الأهم هو كيفية هذا الاستغلال! أي: مجمل الآلية المتبعة في تحويل الثقافة إلى سلعة وبغض النظر عن نجاح أو فشل نتيجة هذا التصرف. ولكي نكون قريبين من المشهد ولا نكتفي بطرح الكلمات والعناوين (الكبيرة) لننظر إلى المنتجات الثقافية المحيطة بنا في بيوتنا، حيث يفترض أن تكون متماشية مع نمط تفكيرنا ونشاطاتنا ولهونا ومجمل مفردات الحياة التي نرى أنها تخصنا ولا تعني أحدا غيرنا. إننا محاطون بالصحف وبالكتب أحيانا، والمجلات وأجهزة التقاط البث التلفزيوني والإذاعي وهو متنوع عن (قصد)! فمن لا تعجبه فضائية ما يجد بدلا منها عددا من الفضائيات المضادة.

فهنالك (عمل) في كل نوع ثقافي يختلف عن العمل المبدئي والتنويري والتثقيفي. وهو ما يطلق عليه البزنس! ولن يتخلص إنسان هذا العصر من البزنس وشروطه حتى لو اكتشفت حيوات بديلة أو كواكب أخرى تصلح لسكنى البشر وتوفر لهم ما عجز كوكب الأرض العجوز عن توفيره. إن هذا دليل واضح على صحة افتراض الصراع التي تبدأ من علم النفس ولا تنتهي في موعد ما. فنحن مازلنا نردد ببراءة أن العالم صار قرية صغيرة!، وهذه رسالة الشبكة العالمية للمعلومات بينما تقول الحقيقة إنه حتى لو قمنا بتصغير الكون إلى هذه الدرجة الميكروسكوبية فهو لن يخلو من أيّ من أنواع السلوك الإنساني. بل وربما تصير عمليات السطو وانتهاك الحرمات وأمثالهما من الجرائم التي كانت تتم من خلف ثقوب الأبواب أسهل، لأن الثقوب يمكن أن تُسدّ، ولكن المراقبة المستريحة عن بعد التي ترى الأحجام بمقاسها الحقيقي تبقى بعيدة عن الظنون وربما تصبح في ذهن الفرد النمطي بطولة يمارسها ليل نهار ليثبت لنفسه أولا وللآخرين أنه مهم وقادر وذو سلاح للردع! بينما نقول أو بالأحرى - نردّد - إن العالم صار قرية صغيرة تجدنا لا نعرف من هذه القرية الصغيرة سوى مفاتيح سياراتنا ومحافظنا ونجهل تماما السلوكات التي يمكن لو أننا نمارسها تصديق هذا الزعم - إن العالم قرية - مثل بطء الإنجاز والتزاحم والفضول والتعصب والتزمت والقيادة أثناء المطر والزحام وحتى ولو : التفكير بما نمرّ به أثناء سيرنا من مشاهد بعضها يثير التفكير ويصير ملهما ولكننا لا نرى منه سوى أنه جزء من السياق العام ولا نكلف أنفسنا عناء التفكير في الآخرين كالمشاة الذين ما أن نراهم عن بعد إلا وأطلقنا أبواق سياراتنا وأشعلنا أضواءها المحذرة وقمنا بدعس دواسة البنزين لكي لا يعبروا إلا بعد أن نمر. وهذا سلوك يوجد في مناطق معينة وليس في كل القرية الصغيرة. وهذا تحليل نودّ ألا نصدقه، بسبب أنه يجعلنا أناسا نبحث عن كذبة لنصدقها، لا: لنعيد الحقيقة.

كما أن هذه الحال مع طول ما مارسناها أدْرَجت ضمن التفكير الاجتماعي تحت بند التقاليد والعادات ونمط السلوك في الفعل وفي رد الفعل. ولنعد قليلا إلى تسليع الثقافة لعله يخفف عنا كل هذه النتائج السيئة الآنفة الذكر، وكلمة ثقافة التي نستعملها - هنا - لا علاقة لها بالموضة الجارية في تسميات من كل النواحي كثقافة (الفوز) التي يرددها الرياضيون المتنطعون وثقافة التواصل التي يبرر بها البخلاء تفعيلهم لعداد الدقائق في الهاتف الجوال، وكل الثقافات المجاورة وغير المجاورة. إننا نستغرب لحظة الصدق مع النفس كيف يمرّ الزمن عقودا عقوداً وتاجر ما ينهمك في ثقافة البث الحصري لمباريات الكرة وكأن الكرة: أرز أو لحم أو بطاطس!!!. وماذا سيدون في تاريخ إنسان قزّم نفسه بحيث مرّ وكأنه لم يمرّ في دنيا الله حيث لا يلتفت إلى الزمن والناس طالما هو يعمل، ليس تكريسا لقيمة العمل ولكن للفراغ الروحي الذي يعانيه. إن الإنسان مخلوق مركب. ولا يجري تسطيحه هكذا إلا في مجتمعات مثل الغابة أو المجمع الاستهلاكي (حيث لا مجال للتمايز بين الجموع سوى بحجم الإنفاق) وهذا التمايز ينبني عليه تعامل أسر المجمعات مع الزبائن فهم في خدمة الأكثر سمنة والأكثر صمتا والأقل اكتراثاً بالسعر ليس لأنه كريم جواد ولكن لأنه اختار منذ زمن عبارة (بلا وجع راس!) العبارة السلبية التي تمتد من انطباعه لدى مشاهدة حادث مروري بشع إلى طريقة تقبله لنتيجة لعبة الورق مع أصدقائه، ولو كانت نتيجة تثبت أنه لا يعرف الألف من كوز الذرة!

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد