Al Jazirah NewsPaper Saturday  12/06/2010 G Issue 13771
السبت 29 جمادىالآخرة 1431   العدد  13771
 
مجداف
نساء القاعدة بين التمويل والتجنيد
فضل بن سعد البوعينين

 

تُشير المعلومات الصحفية المنشورة إلى أن «هيلة»، أو «سيدة القاعدة»؛ كما أسمتها قناة «العربية»؛ تمكنت من «جمع تبرعات للتنظيم في اليمن، من خلال الحصول على حلي ومجوهرات ومبالغ مالية تحت غطاء بناء مساجد ودور أيتام»، وأنها قامت بتحويل «مبالغ مالية فاقت المليوني ريال إلى تنظيم القاعدة في اليمن عبر عمليات غسيل أموال» وإنها «مسؤولة عن قيادة أكثر من 60 عنصراً متورطاً بالعمليات الإرهابية إضافة إلى أنها كانت تؤوي المطلوبين في منازل آمنة»، إضافة إلى دورها في «تجنيد صغيرات السن من ذوي المطلوبين أمنياً».

تبقى عملية جمع الأموال، من مصادر خيرية، أو من جهات متعاطفة، وتحويلها إلى التنظيم في اليمن من أهم القضايا المُعقدة التي لم يتم القضاء عليها بعد. الأمر لا علاقة له بكفاءة الجهات المسؤولة عن تجفيف منابع التمويل، بقدر ما هو مرتبط بثقافة المجتمع وآلية تداول التبرعات النقدية، والعينية، ودفع الزكوات للأفراد التي يتسرب بعضها عبر الحدود للجماعات الإرهابية. رغم التحذيرات الرسمية، ما زالت أموال الصدقة، والمساعدات العينية والنقدية تُدفع لأفراد غير مصرح لهم تحت ذريعة الثقة، الورع، أو قدرتهم على إيصالها إلى مناطق وجماعات أكثر حاجة ، وأقل حظوة في تلقي المساعدات.

ثقافة المجتمع، وتراخيه ساعد بعض النساء على الانخراط في جمع التبرعات، وتحويلها إلى الجماعات الإرهابية، والسعي في تشكيل خلايا نسائية متخصصة في جمع الأموال بطرق مختلفة. تجنيد القاعدة للنساء تحت ضغط الانتقام، والمواجهة، أو التشدد الفكري، فتح لها طرق تمويل غير تقليدية، وأكسبها قدرات بديلة لم تكن لتحصل عليها لولا عباءة النساء!.الأكيد أن استغلال النساء في مثل هذه الأعمال الإرهابية أمر مُحرم لما يترتب عليه من مفاسد عظيمة في مقدمها قتل النفس؛ مُستهجن، ومرفوض من غالبية المواطنين؛ فالمرأة التي يشتد الجدل الفقهي، حول قيادتها السيارة، ومباشرتها البيع في محال الملابس الداخلية المخصصة للنساء في السعودية، بما يفضي إلى منعها لأسباب مختلفة، لا يمكن أن تجد من يُجيز لها الانخراط في عمليات دعم وتمويل الجماعات الإرهابية، وتجنيد الفتيات، تحت إِمرَة قادة التنظيم!.

تنظيم القاعدة، وبعد أن أسهم في تضليل الكثير من الشباب، والتسبب في قتل بعضهم و الزج بآخرين في السجون، عاد ليمارس لعبته القذرة مع النساء والفتيات، دون خوفٍ من الله، أو احترام للقيم والأعراف، أو أن يفكر في مصيرهن، أو مصير أسرهن. لم يكتفي زعماء التنظيم بتجنيد النساء واستغلالهن، بل تجاوز ذلك نحو إدانَتِهِن علناً، والتشهير بهن، وبأسَرِهِن، واستغلال توقيفهن لأهداف أكثر قذارة وإجراما. لو لم يتفوه الرجل الثاني في تنظيم القاعدة في اليمن، سعيد الشهري، باسم «سيدة القاعدة» لبقي اسمها حكرا على أقاربها، والدائرة الضيقة المحيطة بها!؛ بل إن الشهري أقدم على إدانتها على رؤوس الأشهاد، من حيث يعلم أو من حيث لا يعلم، في تصرف يكشف عن مستوى تفكير قادة التنظيم!. تتعامل وزارة الداخلية بحكمة، وتروي مع المعتقلين من الجنسين، وهي لا تعمل وفق المعايير الأمنية فحسب، بل تُضيف إليها معايير اجتماعية، أخلاقية دينية ربما أثرت، في بعض الأحيان، على نتائج خططها الأمنية. المتحدث الأمني في وزارة الداخلية اللواء منصور التركي، أكد أن « وزارة الداخلية تسعى للمحافظة على أمن الوطن ولا تحرص على إعلان أسماء من منطلق الستر»، وأشار إلى «إمكانية العفو عن المعترف بذنبه وساهم في تسليم نفسه للجهات المختصة»، وهذا ما تريد القاعدة تقويضه حماية لمصالحها؛ فوقف التسامح والعفو والتعجيل بإطلاق الموقوفين العائدين إلى الحق، ممن قضوا الجزء الأكبر من محكوميتهم، يضمن للقاعدة عدم تسليم التائبين أنفسهم للجهات الأمنية، أو محاولتهم الانشقاق عن القاعدة.

لم يهدف سعيد الشهري من تصريحاته الأخيرة إلى إطلاق «سيدة القاعدة» كما يدعي، فهو أضعف من أن يُصدر الأوامر وهو الهارب المتخفي في جبال اليمن، ولعل «سيدة القاعدة» وسيدات أُخر يأتين في ذيل قائمة اهتمامات التنظيم؛ الشهري ربما سعى لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسة من خلال رسالته الأخيرة: الأول هو تحقيق التغطية الإعلامية الواسعة التي تعيد التنظيم إلى واجهة الأخبار من جديد؛ الهدف الثاني هو محاولة التغطية على جريمة إسرائيل المنكرة بهجومها على قافلة الحرية، وتحويل الأنظار عنها؛ أما الهدف الثالث، ولعله الأهم، فهو إيجاد السبب الذي يُبرر لتنظيم القاعدة استهداف الأمراء، الوزراء، والأجانب، وهو تبرير تحتاجه القاعدة للمحافظة على ما تبقى لها من أصوات المؤيدين للفكر القاعدي المنحرف. كنت قد أشرت إلى هذه الجزئية، وإمكانية حدوثها العام 2006 ولعل التنظيم قرر اليوم الانتقال لهذه الإستراتيجية الجديدة التي تمكن أفراده من تنفيذ عمليات الخطف، وربما التصفية أيضا.

رسالة سعيد الشهري ليس الهدف منها (الفرقعة الإعلامية) ، فاستهداف الشخصيات المهمة كان وما زال من أولويات القاعدة، ولعلنا نُشير إلى استهداف الأمير محمد بن نايف، مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية، ومن قبله بعض الشخصيات العسكرية المهمة. أجزم بجاهزية وزارة الداخلية في تعاملها الأمني مع تلك التهديدات، والجماعات الإرهابية، وأؤمن بقدرتها على التعامل الاحترافي مع كل ما يصدر عن تلك الجماعات الإرهابية من أقوالٍ، و أفعال، إلا أن الدور المُهم يجب أن يضطلع به المجتمع والعلماء في نبذ ذلك الانحراف الخطير، وكشف حقيقة خوارج العصر الحديث. سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز النائب الثاني ووزير الداخلية أكد على استهداف المملكة، حين قال: « يجب أن نعرف أننا لا زلنا مستهدفين من هؤلاء الضالين والخوارج الذين تنطبق عليهم فعلاً صفة الخوارج»، وهو ما يستدعي تضافر الجهود لمواجهة الخطر الذي يهدد الإسلام والمسلمين، قبل دولة الإسلام. ننتظر من جميع العلماء، رجال الدين، طلبة العلم، الخطباء، المفكرين الرد علانية على رسالة القاعدة من الناحية الشرعية، وأفكار الخوارج الجدد وأعمالهم، وتفنيد إقحام النساء في الأعمال الإرهابية، واستغلالهن لتنفيذ أجندة تنظيم القاعدة القائمة على القتل والدمار.

***

F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM


 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد