Al Jazirah NewsPaper Monday  14/06/2010 G Issue 13773
الأثنين 02 رجب 1431   العدد  13773
 
القرض المفترس!!!
د. عبدالحميد بن محمد الهليل

 

«القرض» كلمة معلوم معناها ومبناها ولها ثقلها والأجر في مغزاها (فإن بناها بخير طاب مسكنه وإن بناها بشر خاب بانيها) اعرف أن هذا البيت لم يقل في القرض ولكني اقترضته لموضوع القرض!

ديننا وضح لنا القرض فإن كان القرض موافقاً كان أجراً وإن كان مخالفاً كان وزراً.. وسنترك معنى القرض الذي كان ماضيه مشرف وسنتكلم عن قرض اليوم، أصبح القرض في عصرنا كلمة وأي كلمة إنه في أوله قر بعد الكر والفر وفي آخره رض وأي رض؟!

إننا نعرف أن في بعض الأماكن يكون هناك صدى للصوت يرتد، فإن رفعت صوتك بكلمة جاءك صداها مرتد! ولكن القرض تجده كالصدى يتردد ويرتد «في كل مكان» دون الحاجة لإصدار صوت! فلو كنا نسمع صدى القرض لعلمنا أن في كل مكان قرض، وقرض، وقرض من القرض إذا فكرت به تجد أن له من اسمه نصيب؟ فهو كالمقراض يقرض فيقرض وكأنه ذلك الجرذ الذي قرض سد مأرب شيئاً فشيئاً فتهاوى واندفع الماء مغرقاً ومدمراً كل من وقف بطريقه!

أنظر إلى ذاك الشاب، نعم ذاك الشاب اسمع حواره مع والد مخطوبته!

الخاطب: جئت طالباً القرب منكم

والد المخطوبة: وكيف تفتح بيتاً وتدفع مهراً وهذا حالك؟!

الخاطب: البنك سوف يمنحني قرضاً فأوراقي جاهزة.

والد المخطوبة: بنتي ليست رخيصة وهذا يا بني لعب ابحث عن زوجة غير بنتي فأنا قاعدتي في الحياة أن المقترض فااااشل.

انتهت المقابلة وذهب حلم الخاطب وخرج من الباب وخرج معه حلم الخطبة، نعم.. لا.. خطبة.

دارت الأيام فوجد هذا الخاطب فرصة للعمل في بنك من البنوك فجلس ذات يوم على مكتب «خدمات العملاء» فيأتي طلاب القروض زرافات ووحدانا وهذا ليس غريب في عصر القروض ولكن الغريب أن والد المخطوبة جاء لكي يقدم طلباً للاقتراض فقد عز على الزواج بأخرى! يا إلهي!! أليس هذا من يصف طالب القرض بالفاشل؟!

لا ضير بالموظف هنا لا يستطيع أن يناقش العميل بل يختار له أجمل العبارات لترغيبه في القرض!! ما أكرم هذا الموظف لقد قبل الأوراق بابتسامة في حين أنه من الداخل يغلي فقد ردت أوراقه.

خطبته يوماً من هذا العميل بسبب القرض وها هو الآن يسعى للعميل بقبول طلب القرض. آهـ يا زمن القروض في وقت الغالب فيه القابض والمقترض فيه خاسر!!

الغريب أن الكل يخاف ويفر من القوارض! ولكن هنا الكل يريد القرب بداية من القوارض بسبب القرض!! تفكرت ودققت النظر في أرض نعيش فيها وعليها فهي مليئة «بالقروض وبالقارض والمقروض» فهل في جو السماء قروض؟! نعم؛ أما سمعت بذاك الذي اشترى طيارته الخاصة بطريقة القرض فهو يطير في سماء القرض!!

إنها طيور نادرة وباهظة الثمن وأخرى ليست نادرة ورخيصة الثمن تطير في جو السماء يملكها أشخاص يسكنون على الأرض وقد اشتروها بالقرض!! هذا غريب والأغرب أن تحت الأرض قرض!

إنه كنز من المجوهرات اشتراه صاحبه بالقرض فدفنه تحت الأرض وهو يعيش فوق الأرض! بل إن كثيراً ممن دفنوا تحت الأرض تركوا ورثتهم فوق الأرض يعانون من تسديد القروض وصاحب القرض يسكن تحت الأرض!

لقد تحمست لكتابة هذا لأن القرض تغير مساره وخرج من دائرة مداره! فمتى يعود القرض إلى جادته ويعود كما كان في ماضيه المشرف! فإن كنا نخاف انقراض سلالات من الكائنات الحية فإننا حتماً سنفرح عند انقراض قرض عصرنا وغيابه عنا.

سأختصر موضوعي فقد حان وقت الأكل وسأحاول البعد عن كل ما يقرض من مأكولات حتى أبعد عن كل قرض (فالسلامة لا يعد لها شيء) ومع هذا سأختم بسر أرجو أن تحفظوه، فصاحب موضوع القرض المفترس مقترض.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد