Al Jazirah NewsPaper Thursday  17/06/2010 G Issue 13776
الخميس 05 رجب 1431   العدد  13776
 
أساليب معالجة ضغوط الحياة
منصور بن صالح اليوسف

 

تختلف مصادر الضغوط ما بين شخصية وتنظيمية وخارجية. فالشخصية تتعلق بصفات الفرد نفسه، أما التنظيمية فتتعلق بمنظمات العمل، وأما الخارجية فتتعلق بنواحي الحياة المختلفة من اجتماعية واقتصادية ومرضية وبيئية وغيرها. ويُعرف الضغط بأنه «تأثير داخلي لدى الفرد ينجم عن التفاعل بين قوى ضاغطة ومكونات الشخصية، وقد يؤدي إلى اضطرابات جسمية أو نفسية أو سلوكية لديه تدفعه إلى الانحراف عن الأداء الطبيعي أو إلى حفزه إلى تحسين الأداء». وهذا التعريف يعني أن الضغوط ليست مصادر ولا استجابات بل هي تفاعل بين مكونات ثلاث هي: المثير والاستجابة والتفاعل.

وتجدر الإشارة إلى أن الضغوط منها القوي ومنها الضعيف؛ لذا فإن تأثير الضغوط على الفرد يعتمد اعتماداً أساسياً على عاملين أساسيين، أولهما: قوة المثير المسبب للضغط، وثانيهما: درجة تحمُّل الفرد الذي وقع عليه الضغط. وبالرغم من أن النظرة العامة للضغوط سلبية إلا أنها ليست كذلك في حقيقة الأمر؛ فمنها السلبي ومنها الإيجابي أيضاً. فالضغوط الإيجابية هي التي تدفعنا إلى البحث عن حلول جيدة لتلك الضغوط التي نواجهها.

وتمر استجابة جسم الفرد للضغوط بثلاث مراحل، هي:

1- مرحلة الإنذار: وتكون فيها مقاومة الفرد للضغوط ضعيفة، وفيها يزداد معدل إفراز الهرمونات.

2- مرحلة المقاومة: ويصل الفرد إلى قدرته القصوى على التكيف، ثم يحدث نفاد للطاقة المتولدة في مرحلة الإنذار.

3- مرحلة الإنهاك: ويفقد الفرد فيها القدرة على التكيف نتيجة لاستمرار الضغوط؛ ما ينتج عنه الأمراض النفسية والصحية.

ومن الأخطاء الشائعة بين الناس في مسألة الضغوط أنهم يعتقدون أن العمل الذي يستمتعون به لا يسبب لهم ضغوطاً، كما يعتقدون أنهم على دراية بالضغوط دائماً عندما يكونون واقعين تحت تأثيرها. والحقيقة أن العمل الذي نستمتع به يسبّب لنا ضغطاً إذا تجاوزنا الحدود المعتادة لطاقاتنا.

لذا فإننا لا نكون دائماً على علم ودراية بأننا نعاني الضغوط، بل أحياناً ما يخبرنا بها الناس من حولنا عندما يرون آثار التعب والنصب بادية على وجوهنا.

ولا شك أن للضغوط آثاراً خطيرة على حالة الفرد الصحية، منها أنها سبب رئيسي لأمراض القلب والشرايين والتهابات المعدة والقولون وأمراض الربو والسل والسكري وغيرها. كما أن لها آثاراً نفسية عليه؛ حيث تصيبه بحالات من الإحباط والقلق والاحتراق النفسي والاكتئاب وغيرها. وتؤثر الضغوط على حالة الفرد السلوكية فتدفعه إلى التأخير والغياب والتسرب وانخفاض الروح المعنوية والتدخين وشرب المسكرات وتعاطي المخدرات.

والسؤال المهم هنا هو: كيف نعالج ضغوط الحياة؟ والإجابة عن هذا السؤال تكمن باتباع الأساليب الآتية:

1- الدعاء: إنَّ من أهم أساليب معالجة الضغوط التوجُّه إلى الله سبحانه وتعالى، ودعاؤه والتضرع إليه؛ فهو القائل في كتابه الكريم (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاه وَيَكْشِفُ السُّوءَ) (62) سورة النمل. كما أن قراءة القرآن الكريم فيها شفاء ورحمة؛ حيث قال الله - عز وجل -: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَة لِّلْمُؤْمِنِينَ) (82) سورة الإسراء. كما ينبغي المداومة على أذكار الصباح والمساء والإكثار من الاستغفار وقول (إِنَّا لِلّه وَإِنَّا إِلَيْه رَاجِعونَ) و(حَسْبُنَا اللّه وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) عند وقوع المصائب والنكبات.

2- الصبر: أمر الله سبحانه وتعالى عباده بالصبر في مواضع عديدة في القرآن الكريم حيث قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَة إِنَّ اللّه مَعَ الصَّابِرِينَ) (153) سورة البقرة. وقال في آية أخرى (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) (10) سورة الزمر. ولا شك أن مع الصبر الفرج، والأيام دُوَل، والظروف تتغير وتتبدل، وبقاء الحال من المحال. ولنا أسوة حسنة في أولي العزم من الرسل؛ فقد صبروا حتى جاءهم نصر الله، ألا إن نصر الله قريب.

3- التحكم في العواطف: إنَّ من أهم الأمور التي ينبغي على الإنسان أن ينتبه لها مسألة التحكم في العواطف والمشاعر، بمعنى ألا ينساق وراء عواطفه بل يجب عليه إخضاعها للعقل. ويأتي في مقدمة ذلك الغضب؛ حيث قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب»، كما قال في حديث آخر: «ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه». وقد أوصى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقول «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» عند الغضب.

4- السيرة الحسنة: يجب على الفرد أن يسلك سلوكاً سوياً مراعياً القيم الدينية والاجتماعية والتنظيمية، وأن يبتعد عن مواطن الريبة والشبهات، وأن يعامل الناس بمثل ما يحب أن يعاملوه به، وأن يحترم مشاعرهم وأحاسيسهم وآراءهم. كما ينبغي عليه ألا يتدخل في شؤون الآخرين وخصوصياتهم، وأن يحسن الظن بهم ما لم يثبت له عكس ذلك، وأن يكون متسامحاً في علاقاته مع الآخرين غاضاً الطرف عن الرزية والدنية.

5- تأكيد الذات: ينبغي على الفرد أن ينظر إلى ذاته نظرة إيجابية دون شعور منه بالنقص تجاه الآخرين أو التعالي عليهم. كما ينبغي عليه أيضاً أن يتعرف على ما لديه من قدرات ومهارات، وأن يحسن مواطن الضعف لديه ويحافظ على مواطن القوة. ويؤدي باستمرار ما هو مطلوب منه فعلا، ويطالب بحقوقه المشروعة مع الاعتقاد الجازم بأن لكل فرد إيجابيات وله سلبيات.

6- طلب الاستشارة: حري بالفرد أن يطلب الرأي والمشورة من أهل الرأي والحكمة المشهود لهم بالعلم والفضل كالعلماء وكبار السن والمختصين وأصحاب التجارب والخبرات.. حيث تقول الحكمة المشهورة «ما خاب من استخار وما ندم من استشار». إن طلب المشورة من الآخرين لا يعني التقليل من شأن المستشير بل يرفع من شأنه ويختصر عليه الطريق.

7- التخطيط: لا شك أن التخطيط مهم في حياة الفرد، وكلما استخدم التخطيط في الحياة قلَّت المشكلات والصعوبات التي تعوق من تنفيذ مطالب الفرد الشخصية والعملية والاجتماعية. والتخطيط يعني أن تضع لك خطة عمل بحيث تؤدي أعمالك أولاً بأول، وتتجنب التأخير والتأجيل، وتضع لك جدولاً يومياً وأسبوعياً وشهرياً لما تريد عمله.

8- التجارب السابقة: يجب على الشخص أن يوظف خبرته السابقة في مواجهة المشكلات والمصاعب في مواجهة الضغوط الجديدة التي تواجهه؛ فالتاريخ يعيد نفسه كما يقولون، والدنيا مجموعة من المواقف المتشابهة أو المختلفة، لكن الخبرة المكتسبة من مواقف سابقة مفيدة في مواجهة المواقف المستجدة يمكن أن تجنبه كثيراً من المشكلات أو تكون سبباً في تذليلها والتخفيف من حدتها.

9- جماعة الأصدقاء: الإنسان بطبعه كائن اجتماعي؛ فهو بحاجة إلى أصدقاء يركن إليهم ويكونون متنفساً له من الضغوط عن طريق تنفيس ما بداخله من مشاعر وأحاسيس وأفكار. فالجماعة تكون بمثابة الداعم الاجتماعي له. وينبغي على الفرد أن يحسن عملية اختيار أصدقائه من الذين يتمتعون بالأخلاق العالية والصفات الحميدة، كما ينبغي أن يبتعد عن جلساء السوء ما وسعه ذلك.

10- النظام الغذائي: ينبغي للفرد أن يتخذ نظاماً غذائياً جيداً ومتوازناً من حيث الكمية والنوعية مع عدم الإفراط في تناول الدهنيات والسكريات. ويحافظ على الانتظام في تناول الوجبات الثلاث الرئيسية مع عدم الإفراط في شرب الشاي والقهوة، والتوقف عن شرب الدخان وتعاطي الخمور والمخدرات.

11- الرياضة: لقد أعطانا الرسول - صلى الله عليه وسلم - درساً في رياضة الجري عندما تسابق مع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، كما حثنا الخليفة عمر الفاروق على ممارسة أصناف من النشاطات البدنية عندما قال: «علموا أبناءكم السباحة والرماية وركوب الخيل»؛ لذا فإنه من المناسب ممارسة أنواع أخرى من الرياضة حسب ما يناسب الشخص خاصة رياضة المشي التي تناسب جميع الأعمار، وهي مفيدة وغير مكلفة مادياً وبدنياً.

12- الاسترخاء: إنَّ الجسم يحتاج إلى الراحة عند التعب وعند الشعور بالضغط؛ ولذلك فإن أطباء العرب القدامى أدركوا هذه الحقيقة قبل علماء هذا العصر؛ فقد وجدوا أن الاسترخاء يعالج كثيراً من الشعور بالقلق والإرهاق والاكتئاب، كما أن الابتعاد عن الضجيج والصخب والبحث عن مكان هادئ مطلب أساسي في هذه الحالات. وفي الغرب تجد أحياناً في منظمات العمل صالات مجهزة بكراسي وأسرّة خاصة مخصصة لاسترخاء الموظفين عندما يشعرون بالضغط والتوتر؛ حيث يذهب الموظف لمدة عشر أو خمس عشرة دقيقة مسترخياً ليجدد نشاطه.

وأخيراً أودُّ أن أشير إلى أن الضغوط أمر حتمي ولا يمكن تفاديها بأي شكل من الأشكال، لكن يمكن تجنب البعض منها وتخفيف حدة البعض الآخر عن طريق تطبيق ما ذُكِر أعلاه. ولنا في قول الله سبحانه وتعالى في مُحْكم كتابه ?لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ? (4 سورة البلد) أعظم السلوان. والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

عضو هيئة التدريب في معهد الإدارة


 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد