Al Jazirah NewsPaper Thursday  17/06/2010 G Issue 13776
الخميس 05 رجب 1431   العدد  13776
 

لماذا يصمتون.. ويعرضون؟
عبدالله بن إبراهيم بن حمد البريدي

 

يعلو أحياناً (بِطريق غير مباشر) طنين الذباب على زئير الأسود..وتنقلب الصورة عند البعض فيُرى السفحُ قمة، وتُرى القمة ُسفحاً..ويفرض عمى الألوان (والإحساس) نفسه.. فيكون القطن الأبيض الناعم الرقيق أشد سواداً وأصلب من صخور بركانية سوداء...والظلام الدامس يصير نوراً يخطف الأبصار، والشمس المضيئة بجدائلها المشعة في رابعة النهار تكون ظلاماً يحتاج الماشي تحتها إلى دليل يهديه الطريق!كل ما سبق يهون ويُقبَل عند الأمر الأغرب والأعجب والأصعب والأكرب، وهو: تطاوُل الأقزام من الرجال ذوي الصَّغار على العمالقة الكبار ذوي الوَقار!وأعني بالأقزام: أقزام الأفعال والخصال، وأقزام الهِمم والأرواح..والكبار: كبار العقول والآثار، وكبار العقول الأزخر من البحار..عندما يتطاول هؤلاء على هؤلاء فإن أول ما يتبادر إلى الأذهان هو رد عاصف قاصف يزلزل الأركان ويضع الأمور في نصابها؛ ليعرف المتطاولون قدرهم؛ فيكفُّوا عن مصادمة الجبال الراسخة!إلا أننا نجد في حالات عديدة خلاف ذلك؛ أي نرى الإعراض ولزوم الصمت من بعض الكبار نحو تجاوزات ولجج بعض خصومهم؛ مما يُفسّره قصير النظر الذي لا يتعدى أفقه أرنبة أنفه بأنه انسحاب وإعلان هزيمة، وهذا خلاف الحقيقة التي يقصدها (الحكيم والعاقل) عندما يتجنب مصادمة (الأهوج والأحمق)، والتي يبينها بعضهم بعبارة موجزة جميلة تتضمن حكمة، أو بأبيات قد يعدد فيها أسباب صمته وإعراضه عن خصمه، ولذلك شواهد كثيرة جداً، ومنها:

قول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:

قالوا سكتَّ وقد خوصمت قلتُ لهم

إن الجواب لباب الشر مفتاحُ

والصمتُ عن جاهل أو أحمق شرفٌ

وفيه أيضاً لصونِ العِرض إصلاحُ

أما ترى الأسدَ تُخشى وهي صامتة

والكلبُ يخسى لعمري وهو نباحُ؟

وهذا الشيخ الحافظ الفقيه الأديب الأريب محمد بن أحمد الطائي يبين في أبيات غاية في الجمال والقوة أسباب صده وسكوته عن أحمق صادمه وحاول انتقاصه:

تأبى علينا مروآتٌ وتكرمة

ووالد من خيار الناس معدودُ

والعلمُ والدينُ والآيات نقرؤها

والحلمُ والعفوُ والإحسانُ والجودُ

أن نُنزل النفسَ إلا في منازلها

إذا استطال وضيعُ القدر منكودُ

أقابل السوء بالإحسان لا خوراً

كذا جُبِلتُ وربُ العرش محمودُ

ما هزني الجبل العملاقُ هددني

فهل يضير من القردان تهديدُ؟

فيا لها من أسباب دعت هذا الحكيم ليقابل الإساءة بالإحسان!وأختم تلك المختارات بقول الشاعر ابن الرومي:

وإنِّي لأعفو عن رجالٍ وأتقي

رجالاً وأدري أي قِِرنٍٍ أصادمُ

وإني لسِكِّيتٌ وعندي معارفٌ

إذا ما استطال الجاهلُ المُتعالم

وما بيَ زُهدٌ في التفضُّلِ إنّه

لفضلٌ ولكن للرجال شكائمُ

ولكنما الشريرُ مَنْ عمَّ شرُّهُ

وسُولم بَدءاً فأتلى لا يسالمُ

رافد:

يقول الله تعالى:

(خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ).

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد