Al Jazirah NewsPaper Friday  18/06/2010 G Issue 13777
الجمعة 06 رجب 1431   العدد  13777
 

المسكوت عنه
هذا عمِّي فليرني امرؤ عمَّه
د. حمزة بن محمد السالم

 

الجامح من الناس إما بطل وإما خبل، أو في منزلة بين المنزلتين. والزمان والمكان قد يقسوان على المرء فلا يتميز معدنه فينتهي به العمر تبرا مُلقى في أرضه كنوع من التُرب، ومن نعم الله على الشاب ولطفه به أن يهيّئ له حكيما أريحيا يأخذ بيده ويتعهده فيتفحص مكامن قوته ومحاذر ضعفه فيسخرها جميعا، قوة وضعفا، فيما ينفع الشاب وأهله وقومه ووطنه.

زاويتي في هذه الصفحة هي في (المسكوت عنه)، وعمي عبد العزيز بن عبد الله السالم ليس من المسكوت عنه لكي أبينه للناس، فهو علم شامخ بين سادات القوم وشرفائهم. وحين يُذكر عبد العزيز بن عبد الله السالم تصغُر عند تقواه قصص الأتقياء، وتتقاصر مروءات الرجال أمام مروءته، وتفنى الشهامات فلا يبقى إلا شهامته، ويتناهى تطاول النبلاء فلا نبيل إلا هو، ويطرق الطائي خجلاً فإنما السخي هو عبد العزيز بن عبد الله السالم.

أدركني في شبابي جموحه وعنفوانه، فكان لعمي عبدالعزيز نصيب لا بأس به من ذلك. فقد طالبته - وهو من هو في منصبه الحكومي آنذاك - بإصلاح الزمان والمكان والأحوال مما لا يد له فيه ولا قدرة له عليه، ولم أتوقف عند هذا، بل تطاولت على أدبياته وكتاباته أفرض عليها فكري الضيق المنغلق في تلك الفترة من حياتي، فما زاده ذلك إلا إحسانا وإكراما لي؛ فقد كان حفظه الله يستشرف لموجات هوجاء شبابي فيمتصها بحنكة وحكمة؛ لكي لا ترتد علي فتصيبني بأذى أو تصيب شظاياها غريبا أو قريبا. وما زال ذلك حاله وحالي - أمد الله عمره في صحة وعافية - حتى حانت له فرصة لحظها بفطنته من خلال نافذة في فكري ففاتحني (ونحن في البيت الحرام) برغبته في إرسالي لإكمال الدراسات العليا في أمريكا وبرر ذلك بقوله (إني لأرى لك عقلا وإني لأرجو الله أن ينفعك وينفع بك) وكنت حينها أرفض وأستهجن السفر إلى ديار الكفر، كما كانت وما زالت عليه الفتوى عند بعضهم. (وفي هذا دعوة تصويرية لاحتواء جموح الشباب، ومن ثم تشخيصه من أجل توجيهه إلى ما يتفق مع منطق ذلك الجموح، فلكل جموح منطقه). عاش ويعيش عمي عبدالعزيز أبياً شامخاً عزيزاً مخلصاً لوطنه ومليكه وقومه:

(ونفس تعاف العار حتى كأنما

هو الكفر يوم الروع أو دونه الكفر)

فلم يستغل عبدالعزيز السالم منصباً، ولم يسأل مالاً ولم يطلب دنياً ولم يشتغل في تجارة عن الواجبات المناطة به، وقد كان سهلاً عليه أن يُسخر مناصبه في مصالحه الخاصة فرده عن ذلك الحفاظ المر والخلق الوعر. فلم يدركه ثراء ولم تبطره نعمة، وكان مع ذلك سخياً معطاء من خالص ماله - على قلته - ومن غير طلب، فكان ما يعطيه للداني والقاصي نقياً مباركاً فيه، وبذل عمي عبدالعزيز السالم جاهه ومكانته ليس في الإحسان لنفسه، بل في الإحسان إلى الناس وفي قضاء حوائجهم وفك أسيرهم ونصرة لاجئهم، فما هو إلا مال من قل ماله وذخر لمن أمسى وليس له ذخر.

ليس من أهداف (المسكوت عنه) محاولة سداد دين شخصي بالاعتراف بفضل متفضل كريم، ولا بث لأحاسيس تحشرجت في صدر عاشق محب، ولكن في سير العظماء وأحاديثهم عبر وحكم ودروس يتخذها الحكيم دستورا له ويحكيها الأب لابنه وابنته فلعل وعسى، ويعيها الشاب والشابة فيتلبسها فيزول الفساد وتظهر المروءات فتصلح بذلك الأحوال وتصفو المجتمعات وتزدهر البلاد.

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد