Al Jazirah NewsPaper Monday  28/06/2010 G Issue 13787
الأثنين 16 رجب 1431   العدد  13787
 
مدائن
توماس قالت كلمتها قبل الرحيل
د. عبدالعزيز جار الله الجار الله

 

يخفى على البعض السبب الحقيقي لطرد هيلين توماس عميدة الصحفيين بالبيت الأبيض التي تولت العمل في البيت الأبيض منذ (40) عاماً، أي منذ عهد الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية كندي، وهي الصحفية والإعلامية المشاكسة والعنيدة التي كان يخشاها جميع السياسيين الأوروبيين والأمريكان، ولكنها طردت من صحيفتها ومن المكتب الصحفي في البيت الأبيض؛ لأنها قالت: «على اليهود أن يعودوا إلى بلدانهم الأصلية، إلى بولندا وألمانيا وأمريكا».

يظهر أن هيلين توماس قالت الحقيقة في آخر عمرها، وهي الحقيقة التي تتهرب منها أوروبا وأمريكا؛ فبعد أن مهّد الإسبان والبرتغاليون والهولنديون لمستعمراتهم في آسيا وإفريقيا بدأت بريطانيا وفرنسا في تأسيس مستعمرات لهما في الشرق الأوسط؛ فقاد نابليون جنوده الفرنسيين لاحتلال مصر عام (1798م)، وبعد أن فشلت الحملة في تحقيق معظم أهدافها طلب نابليون من يهود الشرق الانضمام إليه، ووافقوا على ذلك؛ فبدأت فكرة إيجاد وطن لليهود (1897م) في مؤتمر الصهيونية، ثم تلا ذلك تكليف الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى؛ حيث تم تكليف بريطانيا بإيجاد الوطن لليهود؛ فأصدرت وعد بلفور عام (1917م)، وفي عام (1920م) قرر المجلس الأعلى لقوات الحلفاء على بريطانيا انتداب فلسطين وتنفيذ وعد بلفور، ووافق مجلس (عصبة الأمم المتحدة) عام 1923م بإقامة وطن قومي لليهود.

إذن الأمر ليس تخاذلاً عربياً أو هي كذبة رمي اليهود بالبحر أو حتى عودتهم إلى أوطانهم.. الأمر يتعلق بروسيا وأمريكا وأوروبا وبالقرار الملزم بأن يكون لليهود وطن في الشرق الأوسط، وتحديداً في فلسطين؛ وذلك لأمرين اثنين، هما:

الأول: الخلاص من اليهود وإخراجهم من أوروبا نهائياً.

والثاني: تأكيد استمرار الحملات الغربية على الشرق العربي، التي بدأت مع حملة الإسكندر المقدوني (300) قبل ميلاد المسيح عليه السلام، واستمرت بعدها حملات الإمبراطورية الرومانية ثم البيزنطية ثم الحملات الصليبية ثم حملات هولندا والبرتغال والإسبان وأخيراً الاستعمار الحديث قبل وبعد الحرب العالمية الأولى (1917م) الذي قادته بريطانيا وفرنسا، ونتج عنه إنشاء إسرائيل العام 1948م.هيلين توماس قالت كلمتها قبل رحيلها عن الدنيا (86 عاما)، والأعمار بيد الله، ولكنها قالت حقيقة تاريخية: العودة إلى أوطانهم الأصلية. رغم أن الفلسطينيين قبلوا ووافقوا أن يقاسمونهم الأرض حتى حدود 67م، أجزاء من القدس والضفة وقطاع غزة، ورغم ذلك ما زال حلم إسرائيل الكبير من الفرات إلى النيل.

العالم يتجه إلى حقائق جديدة بعد مرور (60) عاما على قيام إسرائيل حين كان عالم التاريخ أو الأنثروبولوجيا أو الصحفي يعجز عن نقد إسرائيل أو إنكار نتائج وحجم المحرقة أو الحديث عن السلاح النووي الإسرائيلي، وكان يطارد ويحكم ويلاحق قضائياً وإعلامياً وجسدياً.. والآن انقلبت كل الصور.. إسرائيل تشجب تصرفاتها الأمم المتحدة وتدعى للنادي النووي ومنظمات حقوق الإنسان وتجر إلى الحديث عن الدولتين.. والأوروبيون هم من سعوا إلى فك الحصار ومساعدة الفلسطينيين لقيام دولتهم؛ لأن حماية إسرائيل إلى الأبد أصبح مستحيلاً، وأصبح لجم الفلسطينيين والعرب والمسلمين دائماً وأبداً أمراً مستحيلاً؛ لذا لم يكن مستغرباً من كاتبة رأي من أصل لبناني هيلين توماس فرَّت من حروب المستعمر الفرنسي على بلادها ومن الاضطهاد والصراع الأوروبي على وطنها أن تقول لا بد أن تعود الأشياء إلى أصولها ويعود من جاء من بولندا وروسيا وأوروبا وأمريكا إلى مواطنهم الأصلية إذا استمر في التعنت والتحدي وسلب الحقوق.. لذا يتعجل الغرب قبل العرب في حل الدولتين قبل أن تنقلب الموازين ويكون الرحيل إلى أوروبا طريقة عودة، والحرب تطول على الحدود، وكأننا نعود إلى العام 48م عندما رحل الإنجليز بعد أن سلحوا اليهود بقيام دولتهم والاعتراف بها وبالسلاح، لكن هذه المرة الدول العربية والإسلامية أكثر عافية وسلامة ويقظة وفطنة من حالهم عام 48م حين كان معظم العرب غارقين في الاستعمار.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد