Al Jazirah NewsPaper Thursday  01/07/2010 G Issue 13790
الخميس 19 رجب 1431   العدد  13790
 
المجتمع المتحضر.. معنى وواقع
د. عبدالله بن سعد العبيد

 

للتحضر المجتمعي عدة معاني وأوجه بحيث لا يمكن اختزال معناه في جملة قياسية واحدة وقد بحثت كثيراً عن معنى دقيق للتحضر الاجتماعي ولم أجد، فذهب بعضهم لوصف المجتمع المتحضر

بالمجتمع الذي يحترم القانون ويعتبره جزء من نسيجه، وقيمة من قيم بنيانه الذي لا يمكن التخلي عنه أو الانفكاك منه بل يعتبرون من يتبع القانون ولا يتجاوزه أو يكسره يؤدي واجبه ولا منه ولا فضل له، بينما يعتبرون الخارج عنه بمثابة المجرم الذي قد يسيء للمجتمع بأكمله، وذهب آخرون لاعتبار أن المجتمع المتحضر هو من يحترم أفراده الوقت وقيمته ولا يتهاونون في التعامل معه ولا في استخدامه بشكل مثالي لترتيب أمور حياتهم باعتباره معيار هام لتنظيم وتمهيد الطريق نحو السعادة المنشودة من خلال تحقيق الهدف المرسوم والمنشود، فيما وصف آخرون المجتمع المتحضر بالمجتمع الذي يحافظ أفراده على الممتلكات والمرافق العامة التي تعود ملكيتها للدولة وينتفع بها المجتمع وإن تخريبها والعبث بها يعتبر من الأمور الخارجة على القانون وسلوك غير حضاري، بينما يرى آخرون أن المجتمع المتحضر هو الذي يتحلى أفراده بمهارات الحوار الإيجابي وروح تقبل الرأي والرأي الآخر ويبعدون عن التعصب الأعمى الذي يؤدي إلى إقصاء الآراء وتحييدها وفرض الرأي الواحد دون النظر إلى كونه سلبي أو إيجابي فينتج عن ذلك إقامة السدود بين الناس وقطع الروابط وتفكك المجتمع.

أما أخطر ما قرأت في وصف المجتمعات المتحضرة بأن أفرادها يربطون القول بالعمل بحيث يقوم الفرد بعمل ما يقول أو لا يقول ما ينوي عدم عمله، وذلك من النفاق والرياء، فتجد الكثير ممن يدعون صفة ما لا يمارسون أبسط أبجدياتها على أرض الواقع ما يجعلهم في نظر الآخرين منافقين يقولون مالا يفعلون وبالتالي يوصم المجتمع بأكمله بالنفاق والكذب وهما صفتان لا تمتان للمجتمعات المتحضرة بشيء.

وكثرت أوصاف المجتمعات المتحضرة من عدم الإسراف إلى عدم أذية الآخرين إلى القدرة على التعايش مع الأطراف الأخرى إلى التمثل بالقدوة الحسنة إلى التدين المتوازن إلى المعاملة الحسنة للمرأة والطفل إلى إحساس الرجال بدورهم في المجتمع إلى قدرة المرأة على تعليم وتربية الأبناء، وزاد في وصف المجتمعات المتحضرة عكس أوصاف المجتمعات المختلفة وإن لم يأت ذكر تلك الأوصاف في المجتمعات المتحضرة والمتقدمة.

كنت في مهمة عمل بدولة عربية شقيقة وقد اجتمعت وبعض المشاركين على طاولة الغذاء وكنت حينها السعودي الوحيد وقد لفت نظري صوت شخص عربي يجلس على طاولة مجاورة وهو يتحدث لمن معه عن تجربته وما صادفه من مواقف أثناء عمله في المملكة، وقد بدا أن الشخص قد عاد للتو لقضاء إجازته على ما يبدوا في بلده وبين أهله، وأخذ يروي لهم الكثير من القصص بصوت مرتفع لدرجة أن غالبية من كان في المطعم يستطيع سماعه وسماع ارتفاع ضحكات من يستمعون إليه ففي رواياته التي قصها عليهم الكثير من المواقف المضحكة وحسبي أنه أستأنس لضحكاتهم فراح يختلق الكثير من القصص التي لا يمكن حدوثها وهو يضمن تصديقهم لجهلهم بالمملكة وأهلها، فكلما ضحكوا على موقف أو قصة يرويها لهم أخذ يؤلف قصة أو موقف جديد فيه مبالغات أكثر من الموقف السابق حتى أن أحد من معه كاد يُغشى عليه من الضحك.

لن أتحدث عن المواقف أو القصص التي كان يرويها ذلك الشخص وهو على يقين أن أحداً من السعوديين لن يسمعه، بما فيها من كذب ومبالغات، لكنني أتعجب لسذاجة الناس في تصديق ما يقال لهم حتى وإن كانت القصة لا تحدث بالجاهلية، ويزيد تعجبي قصور إعلامنا في تصدير صورة الواقع السعودي بسلبياته وإيجابياته.نجح إعلامنا كثيراً خلال العقود الماضية في تصدير فكرة أننا شعب الله المختار وأننا نعيش في مدينة أفلاطونية حتى تشكل لدى الكثير من أخواننا العرب وغير العرب فكرة أن السعودي لا يخطئ ولا يرتكب حماقة إطلاقاً الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه للانتقاد والنيل من السعودي والسعودية اليوم، علينا إن أردنا تغيير النظرة السلبية عن المجتمع أن نصدر صورة حقيقة وليست مزيفة عن واقعنا ونقدم السلبيات قبل الإيجابيات. إلى لقاء قادم إن كتب الله.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد