Al Jazirah NewsPaper Thursday  01/07/2010 G Issue 13790
الخميس 19 رجب 1431   العدد  13790
 
قراءة في قراءة للنظام الأساسي للحكم
إبراهيم بن سعد الماجد

 

(إن من أهم سمات الدولة المعاصرة أنها «دولة الأنظمة والمؤسسات» فقد تعاظم دورها في مجتمعنا المعاصر وتزايد تدخلها في جميع أمور المجتمع بالقدر الذي جعلها في بعض الحالات السلطة

المهيمنة والمنسقة لكافة الوظائف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. والدولة العصرية تنهض بهذه الوظائف المتعددة والمتنوعة من خلال أجهزتها ومؤسساتها السياسية والتنظيمية والقضائية والتنفيذية، ومن هنا أصبحت السمة اللازمة والمميزة للدولة الحديثة - أنها دولة مؤسسات يعتمد بناؤها وتأصيل سبل النمو والتجديد الحضاري فيها اعتماداً أساسياً على كفاءة مؤسساتها وفعاليتها.

ويعد النظام المؤسسي الفعال تجسيداً حياً لفكر ومنهجية متكاملة لنظم العمل وأساليب، وهو تعبير فكري عن إدارة مجتمعية، ومحصلة لقناعات المجتمع وطموحاته في كيفية مواجهة التنمية والتجديد الحضاري ويمثل الإيمان بالعمل، من خلال المؤسسات، مرحلة مهمة من مراحل تطور المجتمع، ومنعطفاً حاسماً في مسيرته الحضارية).

هذه القراءة الفكرية للنظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية والتي كانت عبارة عن محاضرة ألقاها الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز نائب أمير منطقة القصيم من الأهمية بمكان حيث غفل الكثير وخصوصاً الناشئة عن نظام دولتهم والركائز المهمة التي يرتكز عليها والتي جاءت في النظام الأساسي للحكم، وهذا النظام، وإن كان جديداً في تفاصيله، إلا أنه لم يكن جديداً في أساسه، فهو النظام الذي أقره موحد هذه البلاد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - والذي يركز بشكل جلي على أن دستور هذه البلاد كتاب الله وسنّة رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام.

وعندما أعلن الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - هذا النظام أكد في كلمته على هذا المبدأ، مبيناً أننا مهما قمنا بتنظيم وتجديد وتطوير للنظام فإننا لا نخرج أبداً عن الدستور والنظام الأساسي لهذه الدولة وهي الكتاب والسنّة.

وهذا ما نصت عليه المادة الثامنة من النظام؛ حيث أشارت وبشكل جلي على أن الحكم يقوم على أساس العدل والشورى والمساواة وفق الشريعة الإسلامية، ويؤكد النظام في المادة السادسة والأربعين على أنه لا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية، وتؤكد المادة الخامسة والخمسون على أن عمل الملك يجب أن يكون وفقاً للشريعة الإسلامية حيث تقول: (يجب على الملك أن يقوم بسياسة الأمة سياسة شرعية طبقاً لأحكام الإسلام ويشرف على تطبيق الشريعة الإسلامية).

يقول الأمير الدكتور فيصل بن مشعل في هذا الاتجاه: (فهذه المادة يجب أن نقف عندها ونتأملها لأهميتها وهي من إبداعات النظام الأساسي للحكم، فهي ترسم للملك إطاراً عاماً لمزاولة مهامه واختصاصاته الواسعة وفق منهج شرعي لإدارة شؤون الحكم وتدبير شؤون البلاد والعباد وذلك من خلال العمل بالسياسية الشرعية، ولذلك فاختصاصات الملك تشمل جميع أوجه إقامة المصالح وجلبها، ومنع المفاسد ودرئها، مما يمكنه من إدارة شؤون الحكم طبقاً لأحكام الإسلام.

فالسياسة الشرعية هي الوسيلة التي تدير بواسطتها الدولة شؤون الدولة والمجتمع إدارة شرعية صالحة وقد عرفها (عبدالعال عطوه) بأنها: (فعل شيء من الحاكم لمصلحة يراها فيما لم يرد فيه نص خاص، وفي الأمور التي من شأنها ألا تبقى على وجه واحد، بل تتغير وتتبدل تبعاً لتغير الظروف والأحوال والأزمان والأمكنة والمصالح).منهج واضح لا يحتم تأويل مؤول ولا اجتهاد مجتهد واضح النصوص بين الدلالات، كتاب وسنة وحاكم ومحكوم تحت هذه المظلة، مظلة الشريعة الإسلامية الغراء التي من رضيها حكماً اطمأنت نفسه وارتاح ضميره.

وهذه النقطة تحديداً أكدها النظام في مادته السابعة «يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله وسنّة رسوله، وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة».

إن صدور النظام الأساسي للحكم، كما أسلفنا، ما هو إلا ترسيخ لهذا النظام الشرعي وتقوية لجذوره، ومحاولة لوضع حل لبعض الإشكالات التي جاءت نتيجة لهذا التطور السياسي والاجتماعي والتي يطلق عليه سمو الأمير الدكتور فيصل بن مشعل (مرحلة التطوير وإعادة بناء الأنظمة والمؤسسات).

يقول سموه في هذا الشأن: (شهدت المملكة في العقدين الأخيرين تطوراً سياسياً وتغيرات اجتماعية، وإصلاحات إدارية وتنمية اقتصادية واجتماعية وتعليمية، نقلت الدولة والمجتمع إلى مرحلة متقدمة من النهضة الحضارية في مختلف المجالات، وقد واكب هذه التطورات وتزامن معها تطور آخر في مجال بناء الأنظمة والمؤسسات، وكان هذا التطور التنظيمي ضرورياً لكي تنهض الدولة بوظائفها في المجتمع وتلبية حاجاته وتطلعاته المتجددة.

وهذا الارتباط بين التغيرات الاجتماعية والتطور التنظيمي في المجتمعات المعاصرة أكدته بعض الدراسات الاجتماعية والقانونية، وخاصة تلك الدراسات المتعلقة بتطور الأنظمة والقوانين، ودراسات علم الاجتماع القانوني التي تركز على علاقة التأثير المتبادل بين المجتمع والنظام (القانون)، فالأنظمة تتأثر في نشأتها وتطورها بعوامل اجتماعية وثقافية تتصل بأعراف المجتمع ونمط المعيشة السائد فيه وتطوره السياسي والاجتماعي والاقتصادي، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الأنظمة تؤدي دوراً مهماً في حياة المجتمع وتنسيق فعالياته وأنشطته وتحقيق الضبط الاجتماعي والوفاء بمتطلبات تحقيق التطور والنمو السياسي والاقتصادي والاجتماعي).

إن الميزة التي تميز المملكة العربية السعودية عن بقية دول العالم الإسلامي أنها تطبق وإلى حد كبير بنود نظامها على الواقع، فعندما تقول إن مصدر التشريع هو الكتاب والسنّة فإنها تعني ما تقول، فلا نظام وضعي يحكم رعيتها، فالحكم بين الراعي والرعية هو شريعة الله، فالجميع يخضع للشرع وينقاد لأوامره.

بل إن هذا النظام حدد العلاقة بين الراعي والرعية وكيفية انتقال السلطة في حرص واضح على بقاء هذا الكيان الكبير قوياً متماسكاً مهما طال الزمن، في حرص واضح على إبعاد الاجتهادات التي قد تكون مضرة وتسبب - لا قدر الله - فوضى سياسية في البلاد. إن قراءة مثل هذا النظام المهم بين فترة وأخرى مما يرسخ مفاهيمه في أذهان العامة وأخص منهم الناشئة ويجعل من الجميع يستشعر مسؤولياته ويعرف رسالة بلاده ومنطلقاتها التي تنطلق منها في خدمة الإنسانية جمعاً، كما ينادي بذلك دوماً خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني حفظهم الله.

يؤكد الأمير الدكتور فيصل في محاضرته على أن النظام الأساسي للحكم في المملكة يعد أهم وثيقة دستورية في المملكة، وهو بكل تأكيد كذلك لكونه شمل العلاقة بين الحاكم والمحكوم وأوضح نظام الحقوق والواجبات أيضاً بين أفراد المجتمع وضبط قضية الحكم بصورة - كما أسلفت - لا تحتمل الاجتهاد.

أختم هذه القراءة المبسطة السريعة بما ختم به سمو الأمير محاضرته بقوله: (لقد حاولت في هذه الورقة أن أتعمق في تحليل مضمون بعض مواد النظام الأساسي للحكم للتعريف به واستخلاص توجهاته، وبعض خصائصه وقد تبين أنه يعد أهم وثيقة دستورية في المملكة، وجاء هذا النظام متميزاً بصفاء المصدر وأصالة المنهج وسمو الأهداف، واستمد أصوله من الشريعة الإسلامية، مع مسايرة أعراف المجتمع السعودي والمحافظة على قيمه وأصالته، وهو بذلك يتميز عن بعض الدساتير وأنظمة الحكم في البلدان التي تبنت قوانين وضعية، تخالف الشريعة الإسلامية.

لقد جاء النظام الأساسي للحكم ليسهم في ترسيخ تجربة الدولة السعودية في بناء مجتمع يعد نموذجاً للمجتمع الإسلامي المعاصر المستمسك بعقيدة الإسلام وتطبيق شريعته، مع الأخذ في الوقت نفسه بأسباب التطور العلمي والتقني في مختلف مجالات الحياة.

والله الموفق.



Almajd858@hotmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد