Al Jazirah NewsPaper Thursday  01/07/2010 G Issue 13790
الخميس 19 رجب 1431   العدد  13790
 
وداعاً.. شيخ التواضع
خالد عبدالعزيز الحمادا

 

في يوم الثلاثاء عصراً حزنت قلوبنا ودمعت عيوننا.. وكذلك الرياض بكت الوداع وحزنت على فراق ورحيل الشيخ عبدالله بن غديان -رحمه الله رحمة واسعة وجعل منازله في الفردوس الأعلى-.. وفي عصر يوم الأربعاء تدفقت الجموع واحتشدت الحشود وتراص المصلون للصلاة عليه في جامع الملك خالد - رحمه الله - في أم الحمام.. في هذا التزاحم.. وهذا الاحتشاد الكبير تدفقت الدموع واشتد الحزن ولم لا يشتد؟ وكل من حضر وطلابه والعلماء ومحبوه يشاهدون جنازة الشيخ وهي تسير فوق الرؤوس لتصل إلى مثواها وتوضع في قبرها.. لمَ لا يشتد الحزن؟ وهم يعيشون لحظة فراق عالم زاهد فاضل جليل لطالما ملأ مساجدهم ومجالسهم بالخير وجعلها عامرةً بالذكر لطالما درَّس العلم ونشر الخير ونادى بالحق.. حقيقةً إن الموقف كبير ولحظة الفراق صعبة والمشهد مهيب.. والكتابة قد لا تستجيب فالحروف قد تتعثر والعبارات تتلعثم والحبر قد لا ينساب ولا يتدفق.. وعندما تكفكف دموعك وتسلي نفسك وتصبر على فراق ووداع هذا العالم المتواضع الجليل وتحاول أن تكتب عن علمه وفضله وشخصيته ومكانته ترتبك حروفك ولا تستجيب بسرعة كلماتك؛ لأنك أمام قامة علمية ورجل فضل وورع وعلامة كبير فمن أين تبدأ وكيف سنتهي؟ لكن لعلي أكتفي برؤية سريعة عن الشيخ ونبذة هي لحظة توديع وتعبير ممزوج بالأسى أكثر من كونها كتابة مؤصلة وقراءة متأنية عن الشيخ.. مدينة الزلفي كان لها فضل بداية ونشأة الشيخ فدرس وتعلم على مجموعة من العلماء فتعلم مبادئ الفقه والتوحيد والنحو والفرائض على يد حمدان الباتل ثم بعد ذلك في عام 1363هـ انتقل إلى مدينة الرياض ولا شك أن هذه النقلة كانت نقلة إيجابية وأفادت الشيخ فائدة كبيرة؛ فالرياض مدينة حافلة وحاضرة وحيّة بمدارسها وعلمائها وحلقات ذكرها وكذلك عمر الشيخ كان قريب الثماني عشرة سنة.. فاتساع الرياض وكثرة مدارسها وتنوعها ساعد عقلية الشيخ على التشكل فوسعت مداركه وأسست وأصلت علومه فدرس في المدرسة السعودية الابتدائية وتخرج منها عام 1368هـ ثم عيّن مدرساً في العزيزية عام 1371هـ ثم درس في المعهد العلمي وواصل دراسته حتى تخرج من كلية الشريعة عام 1376هـ.

تلقى العلم في الرياض على مجموعة من العلماء الكبار من بينهم سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ وعلى يد الشيخ سعود بن رشود والشيخ إبراهيم بن سليمان والشيخ عبداللطيف بن إبراهيم.

في عام 1386هـ أصبح عضواً في دار الإفتاء وفي عام 1391هـ عين عضواً في اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالإضافة إلى عضوية هيئة كبار العلماء.

عرف الشيخ بزهده وورعه وتواضعه حتى لا تكاد تميزه من بين سائر الناس وهذا التواضع شهدته بنفسي فقبل سنوات صليت في مكان درس الشيخ في الحرم المكي الشريف ولم أكن أعلم بمكان الدرس ولم أشاهد الشيخ في حياتي إلا تلك اللحظة بعد أن انتهت الصلاة تحلَّق الناس فبدأت التفت يمنة ويسرة أبحث عن صاحب الدرس انتظر حضور موكب الشيخ أبحث ولو عن رجل حولي يرتدي (مشلحاً) لم أجد حولي إلا أناساً بسطاء مثلي وما هي إلا لحظات حتى نهض الشيخ من بين الصفوف رجلاً متواضعاً خلوقاً بشوشاً لا يميزه عنَّا إلا علمه الغزير الذي شهدنا تدفقه وتمكنه من علم الفقه والأصول أثناء الدرس.

فرحم الله شيخنا كان متواضعاً لا يحب الأضواء والشهرة والظهور فهو حريص على أن يصل علمه ويستفيد منه الناس ولو لم ينسب له منه شيء كما كان الشافعي -رحمه الله- يقول (وددت أني تعلمت العلم وعلمته ولم ينسب لي منه شيء)، وكما قال -رحمه الله- فالعبرة ليست بالظهور والشهرة وأن يكون اسمك حاضراً قبل علمك وإنما بالعلم والمخبر ومدى انتفاع الناس من علمك ومشاركاتك وطرحك ومما يذكر من تواضعه أنه كان يصلي بالعلماء في مسجد دار الإفتاء فدخل أحد العوام فلما رأى تواضع الشيخ في لباسه وليس عليه (مشلح) قال هذا الرجل لمن حوله لماذا لا يؤم الناس ويصلي بالمشايخ واحد منهم وليس هذا الرجل العادي فعرَّفه من حوله بأن هذا هو الشيخ ابن غديان عضو الإفتاء وعضو هيئة كبار العلماء فبادر الرجل بالاعتذار وقال للشيخ (والله ما عرفتك)!

ونحن معك أيها الرجل لا نعرفه بشكله ولباسه؛ لأنه لا يحرص على الأضواء والشهرة والظهور بقدر ما يحرص على أن يوصل إلينا علمه ويعمنا نفعه وخيره فكان علم الشيخ يصلنا عن طريق دروسه وحلقاته المنتظمة خلال أيام الأسبوع فله درس في الفقه وفي الحديث وفي العقيدة وتميز الشيخ كذلك في علم الأصول وله دروس ثرية فيه.

فرحمك الله شيخنا رحمة واسعة تواضعت للعلم فرفعك صدقت في طلبه وأخلصت النية في تبليغه - نحسبك والله حسيبك - فحفرت محبتك في قلوبنا وعظمت قيمتك في نفوسنا.. إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك يا شيخ لمحزونون ولا نقول إلا ما يرضي ربنا (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ).



alhamada1427@hotmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد