Al Jazirah NewsPaper Saturday  10/07/2010 G Issue 13799
السبت 28 رجب 1431   العدد  13799
 
وداعاً يا أبي الغالي
أمجد عبدالهادي الطيب

 

أولاً أقدم الشكر والعرفان إلى جميع الإخوة الأعزاء الذين وقفوا وما زالوا مع والدي الغالي - رحمه الله - وأسكنه فسيح جناته.

إن الإنسان في حياته يكون دائماً، ومنذ صغره، له قدوة، وهذا الذي يكون قدوته - بعد قدوتنا وحبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم - في معظم الأحيان، والده الذي يعلمه أصول دينه وحياته, فما بال أحدنا لو كان هذا الأب عَلَماً من الأعلام إلى جانب طيبة قلبه وتواضعه وحبه للناس.

كان والدي - رحمه الله - من عرفه أو سمع عنه أحبه وأحب مجلسه رغم أنه كان قليل الكلام وإن تكلم كان كلامه موعظة للذين حوله غير أنه كان مخلصاً لعمله مرضياً لربه إن شاء الله.

في يوم الأحد الموافق 27-6-2010 وفي الساعة الحادية عشرة والنصف تلقيت هاتفاً من أختي في الأردن تقول إن والدي قد انتقل إلى رحمة الله؛ فكان الخبر كما لو أنه صاعقة قد أصابتني لم أدرِ ماذا أفعل؟ أين أذهب؟ أحسست أني في ضياع؛ فجلست أبكي على والدي، وحينها تذكرت قول أحد الأصدقاء: (إذا أصابتك مصيبة الموت فقل: إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ، وتوضأ وصلِّ ركعتين يذهب عنك الشيطان، وحينها تتماسك)؛ ففعلت ذلك، وأشهد أنه حق.

رحمك الله يا والدي فقد كنت كما الجبل تتحمل كل الذي يصيبك من مصائب، وكانت مصيبة وفاة أخي عليك أكبر المصائب وتحملت واحتسبت.. أحتسبك عند الله شهيداً.. لقد كنت غريباً عن أرضك, ولكنك لست غريباً بين أهل بلدك الثاني في المملكة بل كنت بين أهلك وناسك الذين أحبوك كما أحبك أهلك في فلسطين.

ذهب والدي - رحمه الله - إلى المملكة الحبيبة وهو في السابعة عشرة من عمره يعمل مدرساً في الباحة وبلجرشي التي أحبها كثيراً ولطالما حدثنا عنها؛ مما شوقني إلى الذهاب إليها، وفعلت ذلك حينما كنت أعيش في المملكة, ثم عمل في الرياض مدرساً وبعدها عمل في جريدة «الجزيرة» - حينما كانت في الناصرية - مصححاً لغوياً متعاوناً، وبعدها أصبح رئيساً لقسم التصحيح بعدما عينه الأستاذ خالد المالك الذي وجد فيه الذكاء والقدرة على تحمل هذا القسم, وبعدها أصبح متفرغاً فيها، وأذكر أننا كنا ونحن صغار لا نراه إلا وقت الغداء؛ فكان يعمل ليلاً ونهاراً دون انقطاع، وعندما كبر قال إنه لم يعد يتمكن من الاستمرار؛ فقد أصبح يتعب؛ فعمل في مجلة «الجيل» التي تصدر بشكل نصف شهري؛ أي كانت أهون عليه من الجريدة, وبعد فترة طلب منه الأستاذ خالد المالك أن يعود كمتعاون إلى الجريدة، ولإخلاصه وحبه الذي كان يكنه لهذه الصحيفة عاد إليها، وعاد يعمل ليلاً ونهاراً يكبد في الحياة ليوفر لنا جميعاً الحياة الطيبة دون أن نحتاج إلى أحد.

رحمك الله يا ولدي.. فلقد تركت لي حملاً ثقيلاً أعانك الله عليه في حياتك، وأرجو من الله أن يعينني على حمله من بعدك؛ حمل أمي المريضة، وحمل أولاد أخي - رحمه الله -، وهذا إضافة إلى الحمل الذي أنا أحمله والصعوبات التي أواجهها في الحياة في غزة المحاصرة.

وأخيراً، أعود وأقول لجميع الأحبة: شكر الله سعيكم, كما أقول عظم الله أجرنا وأجركم في والدي؛ لأن الحزن قد عمّ المملكة وفلسطين بفقدان مثل هذا الرجل الذي ندر وقليل من أمثاله، و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.

ابن الفقيد المرحوم


 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد