Al Jazirah NewsPaper Sunday  11/07/2010 G Issue 13800
الأحد 29 رجب 1431   العدد  13800
 
حضارةٌ رصيدها أخلاقٌ وقيم
د.عبدالمحسن بن عبدالله التويجري

 

تتميز الحضارة الإسلامية من بين سائر الحضارات بأنها انتشرت وتجذّرت سواء بين معتنقي دينها، أو من هم خارج الحدود بعمق أخلاقي، ذلك الذي انطوت عليه وبشّرت به.

بينما الحضارات الأخرى قد قامت قواعدها على فن، أو علم أو زراعة أو صناعة، بينما الحضارة الإسلامية قامت على الكثير من المعنويات.

ومن يتأمل قوله تعالى من سورة الفجر {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} (الفجر 6-14).

إن الآيات توجز لنا ثلاث حضارات سبقت الإسلام مع ما سبق من الحضارات، وهي حضارات قد تشابهت كلها في أنها جعلت الفن أساساً لبنائها وإن اختلفت في تفاصيل كل فن، فقوم عاد عاشوا حضارتهم في الجزء الشمالي من الجزيرة العربية، وعمّرت يومها ما ذكره القرآن الكريم عن حضارتهم، بينما قبيلة ثمود التي عاشت قريبة من موطن عاد فتمثلت حضارتهم في المعابد وما يلحق بها.

كما كان لفرعون يومها علاقة امتزجت وفن المسلات والمعابد (الأوتاد).

إذن هي حضارات قامت على الفنون، وما يمكن ملاحظته على تلك الحضارات أنها كانت حضارات لفن عظيم ولكن الطغيان سمتها، وخلت من كل الأخلاقيات المشبعة بروح التعاطف والرحمة فيما بين إنسان وإنسان، فقد ذكر الحق سبحانه وتعالى في قوله {الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ}.

والناس من وراء تلك الحضارات قال عنهم القرآن كانوا يأكلون التراب أكلاً لما، ويحبون المال حبا جمّا، فلا يكرمون الضعفاء، ولا يطعمون المسكين، ولا هم من يُكرم اليتيم.

وحين جاءت حضارة الإسلام كان طابعها وجوهرها أخلاقاً وقيماً عملت على تنمية الضمائر، ودعت إلى حب ورحمة لتعمّ وتكون بين الناس، وعلى سبيل التذكر، ما قاله الحق سبحانه وتعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي} (الفجر 27-30).

وفي كثير مما جاء في القرآن الكريم ما يميز حضارة الإسلام، ويؤكد أنها حضارة لا تعيق البناء والتطور في فن أو علم، ولكنها تميزت برصيد من الأخلاق والمعنويات الراقية، فكانت بهذا حضارة إسلامية بطابعٍ أخلاقي فسادت وامتزج بها طبع الإنسان المسلم، والحمد لله.

والله الموفق.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد