Al Jazirah NewsPaper Monday  12/07/2010 G Issue 13801
الأثنين 30 رجب 1431   العدد  13801
 
بين الكلمات
قراءة في الكراهية..
عبد العزيز السماري

 

قد تتطور بعض المفردات وتتبدل معانيها بتقادم الزمن وتوالي العصور، ولعل في قاموس اللغة العربية ما يدل على ذلك، والسبب أنها حافظت على كلماتها ومصطلحاتها لأكثر من أربعة عشر قرنًا، فمثلاً اختلف مصطلح الإرهاب من معاني الاستعداد وفرض احترام الخصوم للقوة والاستعداد للمعركة إذا استدعى الأمر، إلى تفجير النيام والأطفال وبثِّ الرعب والدم بين السكان الآمنين، ويدخل في ذلك أيضًا مصطلح الكراهية، الذي تمت إعادة صياغته ليكون من ضمن أخلاقيات وسلوك الإنسان المؤمن في موقفه من الآخر المختلف في ديانته أو طائفته.

الكُرْهَ حسب لسان العرب ما أَكْرهْتَ نَفْسَك عليه، والكَرْه ما أَكْرَهَكَ غيرُكَ عليه، تقول: جئْتُكَ كُرْهًا وأَدْخَلْتَني كَرْهًا، وقُمْتُ على كُرْهٍ أي على مشقَّةٍ،.. قال: ويقال أَقامني فلان على كَرْهٍ، بالفتح، إذا أَكرهك عليه. لكن المعنى تحوّل مع مرور العصور من الكراهية إلى مشروعية حمل المشاعر السلبية ضد الآخر كالضغينة والحقد والميل إلى إيذائه، لكن هل بالفعل يحثّ ديننا على حمل مشاعر الضغينة والحقد في نفوسنا ضد الآخرين، والله عزّ وجلّ يقول في محكم كتابه: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} المائدة 8. والشنآن هي العداوة.

يتنافى هذا الأصل الإسلامي العظيم تمامًا مع الدعوة لحمل مشاعر البغض والكراهية في النفوس ضد المخالفين أو المنافسين، أو ما يطلق عليه بالكره الشرعي، وهو ما يجعل من التنافس السلبي قاعدة ينطلق منها الناس، ويؤدي في نهاية الأمر إلى إضعاف الهمم، وخروج أجيال غير قادرة على التنافس مع شعوب الأرض والحضارات الأخرى، وإذا تحوّلت أمة إلى تبني مثل هذه المشاعر تصغر وينتهي أمرها، لذلك لا يجب أن نشرِّع للبغضاء والكراهية بسبب أنهم يكرهوننا ويتربصون بنا، فذلك شأنهم ولا يفترض أن نجاريهم بما لا يتفق مع مبادئنا العريقة، فنحن أمة عُرفت بمكارم الأخلاق والكرم والعفو، وذلك لا يتوافق مع حمل الضغينة داخل نفوسنا، وإن حملناها فيجب أن نعمل من أجل التخلص منها في نفوس الأجيال القادمة.

لا يجب أن يُفهم من الدعوة إلى التخلي عن الأخلاق السلبية أو المرضية مثل الضغينة والبغضاء على أنه نداء للخنوع والاستسلام للآخر، فالإنسان يستطيع أن يحافظ على نقائه التام وعلى سمو احترامه للآخرين، وأن يحتفظ في نفس الوقت بمبادئه وحقه في الدفاع عن ذاته وهويته ومصالحه، على ألا يتكدر ذلك النقاء بمشاعر الكراهية والحسد التي تعبر عن حالة مرضية وليست طبيعية.

كذلك هو الحال على مختلف المستويات سواء كان ذلك داخل الأسرة الصغيرة أو ضمن دائرة العمل أو السلطة، فالنفوس المريضة لا تستطيع تجاوز صفاتها السلبية، وبالتالي تغرق داخل مستنقع الفشل والحقد، ويدخل استخدام مثل هذه المشاعر تجاه الآخرين ضمن فلسفة السلطة التي تمتد مفاهيمها من رفع السلاح على رقاب الناس إلى حمل مشاعر الحقد والكراهية ضد الآخرين، وبالتالي يمثل بثِّ المشاعر السلبية أحد أسلحة القمع ونتائج الفشل الذي يعيش فيه الإنسان أو المجتمع.

لا تدخل المشاعر السلبية في معيار الأخلاقية الأنانية التي تدعو إلى أن يفعل ما هو في الخاصة بهم أو ضمن المصلحة الذاتية، وأيضًا تختلف عن الأنانية النفسية، التي تزعم أن الناس لا تعمل إلا في المصلحة الذاتية الخاصة بهم، وذلك أيضًا نقيض للأخلاق الغيرية التي تجعل من الإيثار أهم دوافعها...

خلاصة القول: إن تبني مشروعية حمل البغضاء والكراهية يُعدُّ حالة مرضية ويعبّر عن مدى الإحباط والفشل الذي أصاب المجتمع، وعندما يتم تأصيلها شرعيًا تكون النتائج كارثية، إذ لا يمكن لمجتمع مريض بالبغضاء والكراهية والقهر أن ينتصر على أعدائه في الخارج، وعليه قبل أن يفكر في ذلك أن يرفع الغطاء الشرعي عن الأخلاق السلبية من أجل مواجهة التخلف والجهل والإقصاء داخل مجتمعه.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد