Al Jazirah NewsPaper Saturday  17/07/2010 G Issue 13806
السبت 05 شعبان 1431   العدد  13806
 
أمَّا (عبدالعزيز الحماد)!.. فلا بواكيَ له!!!
د. زهير الأيوبي

 

قبل أيام قليلة انتقل إلى رحاب الله، ممثل قدير، ومثقف بارز، وفنان كبير، هو الأستاذ (عبدالعزيز الحماد) الذي استمرت رحلته في هذه الحياة الدنيا أربعة وستين عاماً.. مات خارج الوطن بين زوجته وأولاده، وجيء به إلى وطنه ليصلى عليه ويدفن في (مقبرة النسيم).. مثواه الأخير مودعاً من أهله وإخوانه وأصحابه

ومحبيه الكثيرين من الأدباء والمثقفين، والفنانين ورجال الإعلام والمعجبين بتمثيله وفكره، وريشته وفنه وعطائه المتميز الفذ!

ومن عجب أن الرجل مات، وقبل ذلك مرض وعانى، دون أن يعلم أحد بحالته، ودون أن يدري بما آلت إليه أمور صحته!

ومات هذا الفنان الكبير، ولم أقرأ أو أطالع خلال الأيام الماضية نعياً رسمياً أو شعبياً له على صفحة من صفحات جرائدنا اليومية، تعزي بموته، وتدل على الأماكن التي يمكن أن يذهب إليها الناس للقيام بواجب العزاء، ويقفون مع زوجته الكريمة وأولاده الكرام وأهله يخففون من مصابهم، ويتحملون معهم ألم فراقه وسفره البعيد.. اللهم إلا أخباراً قليلة وكلمات متناثرة هنا وهناك، وفي بعض الزوايا الفنية، تخبرنا بأن الرجل قد مات في (أمريكا)، وينقل إلى (الرياض) وسيدفن فيها!!

لم أقرأ نعياً رسمياً صادراً من (وزارة الثقافة والإعلام) بخصوص موته رحمه الله، ولا نعياً آخر من (جمعية الثقافة والفنون)، ولا نعياً من (وزارة التربية) أيضاً!!!

كذلك، فإن الأوساط الشعبية والاجتماعية التي تتحرك عادة بقوة كلما توفي واحد من أهل المال، أو من أهل الجاه، أو من ذوي التجارة أو الزراعة أو الصناعة.. لم تتحرك هذه الأوساط الشعبية والاجتماعية لموت (عبدالعزيز الحماد) عليه رحمة الله، ولم تسود الصفحات الكثيرة في الصحف لذلك، ولم تنتق العبارات المناسبة التي تدل على المشاركة في المشاعر والعواطف والأحاسيس!!

وعلى الرغم من أنني لا أوافق على صرف الأموال في تخصيص صفحات الجرائد وغيرها بقصد(النعوات) وتقديم (العزاءات)، وأفضل على ذلك أن تصرف تلك الأموال بالصورة المناسبة للفقراء والمساكين والمشاريع الخيرية، وأن يوهب ثواب ذلك لروح الفقيد، فإنني أعلق على ظاهرة اجتماعية أهمل من خلالها، دور الفن والفنانين، والثقافة والمثقفين، والإعلام والاعلاميين!!

حدثني أحد أصحابي الإعلاميين الذين كان لهم دور بارز مميز في حياتهم الوظيفية الإعلامية، وهو الآن يعيش بيننا وقد تجاوز السبعين من العمر.. يقول هذا الإعلامي: لقد رزقني الله سبعة من الأولاد من البنين والبنات، وكلهم عندهم الاستعداد لأن يعملوا في مجالات الإعلام المختلفة.. وقد ألح عليّ بعضهم أن يعمل في مجال من تلك المجالات.. لكنني عارضت بشدة ووجهتهم إلى العمل في ميدان الثقافة الإسلامية والعربية والطب والهندسة والصيدلة.. وقد كان ذلك والحمد لله!!

لقد كنت أعارض ما ذهب إليه هذا الصديق من الاجتهاد والرأي.. لكنني وبعد ما رأيت ما حصل ل (عبدالعزيز الحماد) عليه رحمة الله، هذا الفنان الأصيل والمثقف الواعي، والإعلامي المميز، من إهمال وعدم مبالاة، ومن تجاهل لا يسلم من العمد والإصرار، أصبحت أؤيد رأي صديقي، وأذهب مذهبه من الاجتهاد !!

يعيش بين ظهرانينا الآن (بدر كريم) و(ماجد الشبل) و(محمد المنصور) و(مسلم البرازي) و(عبدالكريم الخطيب) و(غالب كامل) و(فهد الهاجري) و(عبدالرحمن يغمور) و(جميل السمان) و(محمد موسى المجددي) وغيرهم وغيرهم من الرجال والنساء بعضهم في حالة صحية جيدة، ولله الحمد والمنة، والبعض الآخر جعلته حالته الصحية حبيس بيته أو قابعاً في أحد المستشفيات.. أسأل الله أن يمن عليهم بالشفاء ويلبسهم أثواب العافية، وكلهم حينما كانوا على رأس العمل، كلهم قدم لوطنه زهرة شبابه وذوب روحه وخلاصة ما يملكه من جهد وطاقة وحس ومشاعر.

وفي ظني أن الواحد من هؤلاء الإعلاميين السابقين المميزين يطمع أن يغادر هذه الدنيا، وقد خلف وراءه من الذكر الحسن، وطيب الحديث، والآثار الصالحة التي يتحدث عنها الناس، ويشيدون بها، ويرددون أصداءها الجميلة الشيء الكثير.. لكن ما حصل مع (عبدالعزيز الحماد) عليه رحمات الله من إهمال وغفلة وتجاهل لا يبشر بالخير، ولا يدعو إلى الطمأنينة!!!

ولكي لا أبخس الناس أشياءهم، ولكي لا أنسى ما لهم من حقوق، على أن أذكر أن صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة (مكة المكرمة)، اكتشف في وقت مبكر جداً عبقرية هذا الفنان الراحل الأصيل وعندما كان رئيساً عاماً لرعاية الشباب قبل نحو ثلاثين عاماً، عند زيارته للمعرض الذي أقامه (الحماد) للوحاته الفنية، واشترى بعضها وزين بها بعض جدران بيته!!

أشعر أن كثيرين منا يحتاجون لأن يحملوا بين جوانحهم شيئاً من مشاعر سمو (الأمير)، ويسكنوا عقولهم بعض قناعاته، وأن تكون لديهم قدرته على معرفة الواقع والنظر البعيد.

يا (أم حسام).. يا زوجة أخي (عبدالعزيز الحماد) ويا (حسام) ويا إخوانه وأخواته.. يا أولاد أخي (عبدالعزيز الحماد)...

رحم الله أباكم وأسكنه فسيح جناته.. ومتعكم بالصحة والسعادة، وجعلكم خير خلف لخير سلف واعلموا أيها الأعزاء أن أباكم عليه رحمات الله قد قضى وهو واقف، يجاهد بريشته، ويكافح بقلمه، ويعلي صوته بالحق، ويؤكد حضوره بالعزم والثبات والإصرار على أن يكون مثقفاً واعياً، وإعلامياً واثقاً، وفناناً حقيقياً كبيراً.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد