Al Jazirah NewsPaper Saturday  17/07/2010 G Issue 13806
السبت 05 شعبان 1431   العدد  13806
 

هذا العزيز الذي فقدناه
د. أحمد بن محمد الدبيان

 

أن يخطف الموت عزيزاً، وأن يموت حبيب هذه سنة من سنن الله تعالى في كونه وفي خلقه والموت حق، بل سماه الله تعالى في كتابه الكريم باليقين واليقين هو أصدق الصدق وأحق الحق. ولكن فقد شخص قد يفوق فقد آخر ومصيبة قد تنسيك أو تسليك مصيبة أخرى. قبل أيام غيب الموت عنا أخانا الفاضل الشيخ عبدالرحمن بن سليمان المطرودي وكيل وزارة الشؤون الإسلامية لشؤون الأوقاف.. فكان نبأ فاجعاً وجمت له النفوس واهتزت المشاعر وانسكبت له الدموع غزاراً ونفضت المآقي له ماءها مدراراً.

عرفت الفقيد قبل سنوات طويلة في جامعة الإمام ثم في وزارة الشؤون الإسلامية. وكنا طوال هذه السنين رفاقاً في ظروف مختلفة وزملاء في مواقف عدة وتقلبت بنا الأيام تقلبها المعتاد الذي لا يكاد يترك أحداً على حاله أو شيئاً على منواله..! كان أكثر ما يجذبك إليه، لو عرفته -هو عدة أخلاق نادرة ركبها الله تعالى في هذا الرجل وفي هذا العصر الذي يعز فيه الخلق وتندر فيه الشيم وتظل المروءة عنقاء مغرب.. حتى صار طعم الخل (بكسر الخاء) خلا (بفتحها) كما يقولون!!

أول ما يراه الرائي من أخلاقه النادرة سماحته وابتسامته الرقيقة العذبة التي لا تكاد تفارق وجهه حتى في الأوقات الصعبة والمواقف المحرجة، والتي تشف عن سريرة كالزجاج ونفس صافية كالماء الزلال، ثم تواضعه الجم حتى أنك لا تكاد تميزه من سائر موظفيه وزملائه ومرافقيه، ثم ذلك الإيثار النادر الذي يبلغ درجة نكران الذات وإهمالها، وسط سلوكيات تحيط بنا في مجتمعنا من الأثرة بدل الإيثار، والتكبر بدل التواضع، والغطرسة بدل السهولة والليونة.. كم مرة رأيته مع زملائه ومع بسطاء الناس وهو بينهم كأحدهم لا يكاد يعرف أو يفصل منهم. كان بين الفقيد -رحمه الله- وبين الكبرياء قطيعة دائمة، وبينه وبين الفخر بالنفس هجران متصل مستمر..

هذا مع هيبة ووقار ودماثة خلق وحسن رأي وسداد نظر في عواقب الأمور.. يعرفه كل من تعامل معه، تختلف معه في الرأي أو تتفق، ولا يفسد ذلك للود قضية بينك وبينه. وهو لا يقول ذلك شعاراً بل صدقاً وعملاً.

كم أتمنى لو أتيح لمجموعة من ناشئة اليوم فرصة للعمل والصداقة مع رجل كهذا حتى يروا خلقاً جميلاً نادراً ربما قرؤوا عنه في الكتب، أو سمعوا عنه في القصص، وحتى يتعلموا بذل النفس من رجل رزقه الله بفضله رحابة صدر وسعة نفس لخدمة الناس وبذل النفس لهم وتقديم العون في كل أمر للصغير والكبير.

حينما رأيت كثرة الباكين عليه وهم كثير، والداعين له وهم أكثر، والمعددين لمآثره وهي عديدة، والذاكرين لمناقبه وهي جمة قفز إلى ذاكرتي قول الشاعر:

لعمرك مالرزيةٌ فقدُ شاةٍ

ولا فرسٌ يموتُ ولا بعيرُ

ولكن الرزية فقدُ حرٍّ

يموتُ بموتِه خلقٌ كثيرُ

رحمك الله يا أبا مرام!! كنت مدرسة نادرة في الخلق!! أسأل الله أن يغفر لك وأن يصبرنا على فراقك وأن يجمعنا بك في جنته ودار رحمته!!.

arabic.philo@hotmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد