مدخل:-

(لا تشاور مشغولاً وإن كان حازماً، ولا جائعاً وإن كان فهما).

قسّ بن ساعدة

من غير اللائق منطقياً التشبّث بمِرفقْ المشغول وطلبَ الشورى منه وهو في حالة تفصله عن تمييز الصواب واستبيانه، والجميع - تقريباً - يتحاشى أن يكونَ ثُقلاً إضافياً على قلبْ صاحبه فينصرفْ - على مضض - لدراسة الأمر وحده ومحاولة ترشيحْ الخيار الأصحّ.

وهذه ليستْ المشكلة؛ لأنه بالفعل يُمكن للشخص أن يقلّب الموضوع برمته بين دماغه وقلبه ويستعرض النتائج المتوقعة حتى يتمكن من خلع الَّلَبْس وتحديد الحل الأنسب - أو الذي يظنه كذلك - حتى يجتاز العقبة بنجاحْ.

وهنا لا بد أن تتضاعفْ الجهود وتطولَ الأوقات هذا مع احتمالية وُرود الخطأ ونقص البدائل المتاحة؛ لأن اليد الواحدة (لا تصفّق) -كما يقال -.

وعلى هذا: يظهرُ أن كثيراً ممن فقدوا فراغْ رفاقهم ورصانة فكرهم يعانونَ من الوحدة وسطَ المسائل العارضة والتي ربّما أن يركلوها - ضعفاً - حتى تتفاقم وتتعقد أكثر من ذي قبل. والتفسير الوحيدْ لذلك أنهم اكتشفوا - بعد فوات الأوان - أن مثل تلك المصائب لا تحلّ عنهم إلاّ بتوفرّ مقوّمات الرجل الحكيم كالصبر والخبرة... إلخ وهذا بالضبط ما ينقصهم !

مع العلم أن هذا الاستنتاج لا يعني حتميّة الوقوع في الخطأ أبداً، ولكنه يُشير بشكلٍ أو بآخر إلى ضرورة الاعتمادْ على النفس وأهمية الثقة بالقرار وعدمْ الالتجاء إلى الغير في كل ما يطرأ.

ورغمْ صحة هذا، لا يحقّ لي أن أغيّب منافع الشورى والاستلذاذ بثمارها وكيف كان هادينا - صلى الله عليه وسلم - يعملُ بها ويعتبرُ لأهميتها ويطبّق ما نزلَ من الوحيْ في شأنها، وهذا - عزيزي القارئ - لا يُناقض ما أقول؛ لأن ثقتك مهما تعالتْ ورأيكَ مهما رجحْ يصعبُ تمامهما في كل حين. - فجلّ من لا يُخطئ -.

مخرج:-

نؤمنْ كلّنا بأن شتى شؤون الحياة تستحيل أن تمرقَ عن الأقدار الإلهية. فلهُ الحمد والشكر على السرّاء والضرّاء.