Al Jazirah NewsPaper Saturday  24/07/2010 G Issue 13813
السبت 12 شعبان 1431   العدد  13813
 
هذا هو الواقع
نادر بن سالم الكلباني

 

لا أدري، فقد التبس الأمر علي، ولم يعد بإمكاني مع تضارب المواقف وما ينادي به من شعارات فهم ما يحدث.. العيب بكل تأكيد في فهمي وفي بساطة تفكيري، فقد جبلت نفسي على فهم الأمور على طبيعتها، ونسيت أن مخرجات حركة الناس تتغير وتتعقد فلا تعود تشبه أصبلا بتغير وتعقد النفوس، وتراكم نزواتها وانفلات ضوابطها، وأن الأمور مرهونة بغاياتها، فلا تظهر لي بشكلها الطبيعي الذي ألفته.. فأرتبك وأنا أتابعها فلا أفهمها.

كنت أظن مثلا عندما ينظر الإنسان للأمور وقياساتها بعقل يبحث عن الحق والحقيقة ليتبعهما، هي هذه العقلانية التي يطالب بها الجميع، لأرى واقع ما يحدثه الناس بحقيقة أفعالهم ومواقفهم يقول غير هذا، ويفسر العقلانية على أنها القدرة على فرض منطق أو استحداث منطق يقلب مفاهيم الأمور للوصول لغاية بغض النظر عن قرب أو بعد هذه الغاية عن الحق والحقيقة، بل ربما لا يبح صوت المنادي بالعقلانية وهو ينادي بها إلا عندما يتأكد أن غايته لا تقترب من الحق والحقيقة.. وكنت أعتقد أن الوسطية خصوصاً عندما تتعلق المسألة بمرتكز ديني أو شرعي هي ذلك الموقف الذي يقع بين تسطيح الأمور والغلو فيها، وأن التشدد هو عكس ذلك، فأفهم من هذا ونحن نكرر مصطلح الوسطية، أنه يفترض ألا نغالي في فهم ديننا، وفي مواقفنا المترتبة على فهمنا المعتدل في كل مناحي حياتنا، ثم أرى المطالبين بالوسطية في الفهم والمواقف، الذين يعارضون وينتقدون كل شيء تحت مظلة الوسطية والاعتدال، لا يتوسطون ولا يعدلون في مواقفهم وآرائهم وانتقاداتهم عندما تتعلق المسألة بأمر لا يتوافق وتوجهاتهم، وأن المسألة لا تسير وفق خط يقود للحق أو الحقيقة، وأن الوسطية بحكم واقع ما يفعله المطالبون بها ما هي إلا القدرة على القفز بذكاء ودهاء على ما يضبط الأمور ومجرياتها للوصول أيضا لغاية بغض النظر عن قرب هذه الغاية أو بعدها عن الحق والحقيقة.

أقول لنفسي وأنا أسمع شعارات الصلاح والإصلاح ترفع في كل مكان، ربما هؤلاء القوم يسعون لما فيه صلاح أمرنا، وهم لا يطالبون بغير أن نسمع الرأي الآخر الذي يمثلونه والمخالف لما نراه، ففي الاختلاف تنوع وثراء، لأرى أن الإصلاح المقصود ما هو إلا حملات ممنهجة وشرسة للتشنيع والإساءة يستهدف بها من يقول رأياً لا يتوافق والأفكار التي ينادي بها من حمل رايته، فيربكني الموقف أن يطلب مني سماع الرأي الآخر وتفهمه ثم لا يحترم رأيي ولا يسمع حتى، فأساير ما يحدثونه على افتراض أنهم أصوب، فلا أرى الأمور تتحسن في كثير من مناحي حياتنا، بل على العكس تتشعب وتتعقد حتى أصبح لكل فكر شاذ ولكل انحراف منطق.

حتى المنطق لم يعد منطقاً ولم تعد هذه الكلمة تتوافق مع ما كنت أفهم، فالمنطق أن يكون لكل أمر مسوغات يقبلها العقل ويتفهمها، ثم أقف حيراناً، أي عقل نقصد ونحن في الأصل نختلف على من العاقل فينا؟! ومن الذي يحكم بيننا عندما لا نتفق؟! لأعود ثانية لما بدأت به أن كل ما ندعيه مرهون بما نريد الوصول إليه دون الاهتمام بالحق أو الحقيقة المزعومة.. والله المستعان.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد