Al Jazirah NewsPaper Saturday  24/07/2010 G Issue 13813
السبت 12 شعبان 1431   العدد  13813
 
سرطان «شرس» ينهش وفي «عقر» دارنا
صالح بن ناصر المجادعة

 

مرة أخرى تقودنا المسؤولية قبل المشاعر الإنسانية لتحمل أعباء محاربة سرطان شرس أخذ ينهش بجسد الأمة الإسلامية في عقر دارها، مستخدما أدوات رخيصة في التغرير بعقول الشباب، واستغلال أبشع الطرق دناءة للوصول إلى مآربهم وتحقيق أهدافهم القذرة، متخذين التلاعب بالوازع الديني والفهم البسيط لفئة من شباب الأمة سبيلا لتنفيذ مخططهم الإجرامي وطريقهم لذلك سهل، إما لكون هؤلاء الشباب قليلي الخبرة في كشف أساليب الخداع والتضليل التي يستخدمها هؤلاء المأجورون، أو أنهم يتعاملون مع الواقع السياسي وما تمر به المنطقة على صعيد الأمة من منور آخر لم يعد موجودا في هذا الزمان.

إن تتابع الأحداث السياسية الملمة في المنطقة وفي ظل اختلاط جميع الأوراق السياسية والاقتصادية منها، ما مهد الطريق ووفر الأرضية المناسبة لزرع بذور الشر في المنطقة وبشكل جديد يأخذ الطابع الديني مظلة لتمرير مخططه الإجرامي لتعبئة شباب الأمة ضد أممهم، مستغلا بذلك العاطفة الدينية لفئة الشباب.

نعود ونقول: إن البداية كانت ولا تزال داخل الأسرة، فلا يمكن أن نحمل الدولة تبعات أخطائنا أو أخطاء أبنائنا، إننا نعيش في زمن غزو فكري وعقائدي متعدد الأشكال موحد النوايا، فلم تعد العفوية في التصرفات ولا الطيبة المفرطة سبلا ناجحاً للحياة، وعذراً للآباء عن الغفلة على حسن تصرف الأبناء. ففي ما مضىكانت الحياة بسيطة في كل أشكالها، آمنة في كل مرافقها، أما اليوم فكل ما حولنا أو يحيط بنا محتاج منا الحيطة والحذر، والأمر أخطر مما نتصور بكثير، فعندما يبدأ الداء بالبراعم مهما صلحت الجذور فلا يمكن أن نأمل منها أن تطرح ثمارا طبيعية ونافعة، وهكذا واقع حالنا مع أبنائنا مهما كانت الأسرة سوية وسعيدة تتوق إلى بر أبنائها لا يمكن أن تستمر تلك الحيوية الأسرية إذا غابت الرقابة الأسرية، كما أن الثقة الزائدة أو التخلي عن المسؤولية تعد أهم الأسباب لتدهور الشباب في درك عصابات الغواية والضلال التي بالأساس كانت نتائج سيناريو يحاك في غفلة من عيون الأسرة، وكل له دوره في حبك النهاية الشقية لغياب الدور الأسري بأي شكل من أشكال الثقة أو الإهمال، ولا ننسى فئة رفاق السوء ولهم باع طويلة في هذا المجال. إن غفلة الابن واستعداده النفسي والتكويني لإعادة التشكيل يجري ضمن أسلوب مدروس لدى هؤلاء الضالين المضللين لشباب الأمة، فحذارمنهم لكي نبعد عن أنفسنا ونجنب أبناءنا الكثير من الحسرة والألم ولا نرى تلك الحسرة حيال الحيرة في عيون الآباء على فلذات أكباد سارت إلى الجحيم طوعا، فخلفت حزنا وأسى أسريا وضعفا وانكسارا تقرأه في عين أب فقد ابنا سلك طريق الضلال من دون وعي وإدراك لحقيقة ما هو مقدم عليه، والنهاية المرة التي بدأها بخطوة غير مدروسة أو واضحة المعالم بالنسبة إليه. لقد وجدنا في عصر ليس لنا خيار فيه تحفنا المخاطر في كل اتجاه، ومن غير المعقول أن نتخلى عن مبادئ ديننا بدعوى أن التدين أقصر الطرق لهؤلاء، كما أنه من غير المعقول أن نتقوقع مع أبنائنا بعيدا عن أي اختلاط في المجتمع، فكل تلك طرق مستحيلة للعيش، فمهما تمكنا من إحكام السيطرة داخل الأسرة فالأمر خارج النطاق في كل من المدرسة والشارع، وحتى داخل المنزل هناك الشبكة العنكبوتية التي قلما يخلو منها بيت ومن متصفح على أروقة «الإنترنت» وما يحمله من مواقع تثير الفضول لدى الشباب وتدار من فئة متخصصة في الاستدراج المبرمج وتجيد فنون التضليل. إن المسؤولية كبيرة وخطيرة لا يمكن حصر جميع جوانبها في جهة معينة، فلكل من الدولة دور والأسرة والمدرسة دور، وعلينا أن نعلم أن أهم شيء يجب أن تغرسه الأسرة داخل الطفل أن تعمد على تنمية أسلوب الحوار ثم الإقناع، بحيث لا يكون الابن أمعة فقط، ثم بعد ذلك تفرح وتسر الأسرة بالابن المطيع الذي لايسمع له صوت في النقاش الأسري، إن أسلوب الحوار يجب أن يبدأ منذ أن يتعلم الطفل لغة الكلام ليعبر عن رغباته ويتعلم كيفية الدفاع عنها ما لم يكن في هذه الرغبات شيء من الغلو أو التهريج، أي أن يتعلم أسلوب الحوار الهادف البناء القائم على أسلوب التحليل قبل الإقدام الإقناع المبني على البينة والدليل، ومتى ما صار هذا الأسلوب سلوكا في التعامل تولدت لدى الابن شخصية قوية قادرة على الدفاع عن نفسها، متحصنة ضد أي دخيل يحاول المس بكيانها، وعلينا ألا ننسى جانب الحس الوطني، ونذكر دروس الولاء والطاعة لولاة الأمر للحفاظ على الوطن البشرية والتي بدورها تحمي ثرواته المادية، عند ذلك نكون أنشأنا جيلا مدركا حقيقة تلك الفئة الضالة المضلة، فكيف يعد بالنجاة ممن بدأ بالغرق أصلا، وكيف يعد بالجنة والفوز بنعيمها من استباح الحرمات وترويع الآمنين، وسلك هدم الملذات باختراق أمن وسور الأسر الآمنة باقتناص أبنائها والتضليل بهم حتى زاغت نظرات الآباء حسرة وحيرة على أبناء أعدوا للفخر وزينة الحياة الدنيا وفي حساب الزمان قوة وسند للمقبل من الأيام.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد