Al Jazirah NewsPaper Saturday  07/08/2010 G Issue 13827
السبت 26 شعبان 1431   العدد  13827
 
بين الكلمات
ثمن الخروج من الأزمة..
عبد العزيز السماري

 

ارتبط تعريف الأزمة في قواميس اللغة العربية القديمة بالقحط وضنك العيش، لكن تطور العلاقات البشرية جاء به ليعبِّر عن كثير من المشكلات التي صنعها الإنسان ثم لم يستطع تجاوزها، فالأزمات في العصر الحاضر تجاوزت أزمة المعيشة لتدخل في كل شيء..، وتم استخدام مصطلح الأزمة في وصف حال كثير من المشكلات التي يواجهها المجتمع السعودي، لكنها ظلّت حبيس المقالات الصحفية، ولم يتم استخدمها رسمياً إلاّ نادراً، مما يعرقل من مهمة البحث عن الحلول المجدية لمعالجتها، وحسب وجهة نظري لا يستطع أياً كان أن يتجاوز أزماته إلاّ بمواجهتها ثم الاعتراف بثقل تبعاتها، ثم العمل على مواجهتها، وعادة لا يجدي الاعتراف تقريراً، إذا لم يصاحبه عمل دؤوب يؤدي في النهاية إلى الخروج منها.

قد نستطيع القول إننا تجاوزنا مرحلة الاعتراف بوجود أزمة فساد بيروقراطي، ويدخل فيه المالي ما يستدعي إطلاق صيحات الإنذار، وإذا لم تتم مواجهة أسبابه ستفشل كثير من المشاريع الوطنية التي يقدر حجم الاستثمارات فيها بالمليارات، ولا توجد وسيلة أفضل من تقنين وسائل حديثه للمراقبة والمحاسبة، ولا بد أن يشارك المجتمع في ذلك، وأن يعملوا من خلال المؤسسات من أجل المحافظة على المكتسبات الوطنية، وسيؤدي إغفال تلك التجاوزات الخطيرة إلى ترويج حجج قديمه، كان ولا زال يتداولها بعض ضعاف الناس، فقد كانوا يبررون سرقة أموال الدولة، ومن حججهم أنه لا توجد عقوبة لمن يسرق أموال الدولة، لذلك هم يشرعون عرفاً سرقة ثروات ومصالح الوطن.

يؤدي شيوع ثقافة الفساد وتبرير اختلاس الدولة وثرواتها إلى فساد الأخلاق، فالعلاقات بين الناس في الشوارع والأماكن العامة تتأثر بالجو العام، وبالفعل يمر المجتمع في أزمة أخلاق وحضارة، وانتشار السرقات أهم سماتها، ومنها تدني أخلاقيات التعامل بين الأفراد في الطرقات العامة، فالميل إلى العنف والكلام البذيء منتشر بين الناس، كذلك لا يوجد احترام للمرأة في الشارع أو السوق، وعادة ما تتعرّض إلى التحرش والكلام غير المباح والمطاردات، ويدخل في ذلك عدم احترام البيئة، فقذف القاذورات في الشوارع والنفايات في الأراضي البيضاء يدل على عدم المبالاة وعدم احترام حقوق البيئة في الوطن، وقد يكون نتيجة لتدني مستوى الوعي، لكن عدم الاكتراث وعدم الإحساس بالمسئولية يشكلان عاملان أساسيان لتفسير الأزمة الأخلاقية.

لكن الأزمة الأشد تأزماً هي التبلد الإداري الذي يصل أيضاً إلى حد اللامبالاة ، والذي سيقود الوطن إلى الشلل التام في مواجهة أزماته، وإلى انعدام الكفاءة وندرة الإنتاجية، والسبب هو الجمود الذي يهيمن على كثير من القطاعات، ولا يوجد خيار إلاّ بتحريك تلك القطاعات الجامدة عبر ضخ كوادر بشريه جديدة، وسيظل العامل الأهم في تفشي حالة اللامبالاة انعدام مفاهيم المحاسبة والمراقبة الحديثة، ولا يمكن أن تنجح تلك الوسائل الفعّالة إلاّ باستقلال أجهزة المراقبة، المحاسبة عن بيروقراطية الحكومة وبطء أدائها الإداري، وأن تكون جداول أعمالها مفتوحة للإعلام، ومهمتها إطلاع الناس على نتائج التحقيقات، ولا يزال المجتمع ينتظر بلهف نتائج التحقيقات في كارثة جدة، ليس فقط من أجل إنصاف المتضررين ومعاقبة المذنبين، ولكن من أجل رفع مستوى التفاؤل بين الناس ، ومهما كانت نتائجها قاسيه سيكون إعلانها ثمناً للخروج من طور الأزمة إلى طور الأمن الأخلاقي في مستقبل الوطن.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد