Al Jazirah NewsPaper Saturday  07/08/2010 G Issue 13827
السبت 26 شعبان 1431   العدد  13827
 
تحرير البرود باند
شاشي ثارور *

 

في الأول من يوليو/تموز كنت واحداً من بين ثلاثين رجلاً وامرأة من مختلف أنحاء العالم - وزراء حكوميين، وموظفين بيروقراطيين، وعلماء تكنولوجيين، ومفكرين استراتيجيين - اجتمعوا في الاتحاد الدولي للاتصالات في جنيف لمناقشة الكيفية التي قد تعمل بها الشبكات العريضة النطاق (البرود باند) على تغيير العالم نحو الأفضل. ولقد التقت «لجنة البرود باند» هذه تحت رئاسة بول كاجامي رئيس رواندا، وقطب الاتصالات المكسيكي كارلوس سليم.

إن الاتحاد الدولي للاتصالات هيئة تابعة للأمم المتحدة، ولقد أسس هذا الاتحاد لجنة البرود باند بالتعاون مع منظمة اليونسكو. ولم تكن الرئاسة المشتركة للجنة من قبيل المصادفة فالأمم المتحدة تدرك أن تقدم ثورة المعلومات يتطلب بذل الجهود من جانب القطاعين العام والخاص، وطبقاً لتعبير الأمين العام للاتحاد الدولي للاتصالات حمدون توريه فإن توفير شبكات البرود باند في كل مكان وبأسعار معقولة يشكل في القرن الحادي والعشرين أهمية بالغة في دعم الجهود الرامية إلى تحقيق الازدهار الاجتماعي والاقتصادي، وعلى هذا فإن هذه الشبكات لا تقل أهمية عن شبكات النقل والمياه والطاقة. وتشكل المعلومات أيضاً وسيلة للتحرير على المستوى الاقتصادي. فتكنولوجيا المعلومات تُعَد شكلاً مجدياً من حيث التكاليف من أشكال رأس المال، والواقع أن استونيا وكوستاريكا من الأمثلة المعروفة للكيفية التي تستطيع بها استراتيجيات الوصول إلى المعلومات أن تساعد في التعجيل بنمو الناتج ورفع مستويات الدخل.

من بين مبادرات اليونسكو الناجحة مشروع إنشاء مراكز اتصالات مجتمعية متعددة الأغراض في مختلف بلدان العالم النامي، وتقدم هذه المراكز خدمات الاتصالات والمعلومات - الهاتف، والفاكس، والإنترنت، والكمبيوتر، والمعدات السمعية والبصرية - لمجموعة واسعة من الاستخدامات المجتمعية. وهناك أيضاً مشروع أرقام تحديد الهوية الفريد في الهند، والذي تديره شركة ناندان نيليكاني الرائدة المخضرمة في مجال تكنولوجيا المعلومات. وهذا المشروع سوف يمكن القاعدة العريضة من الناس من الوصول إلى الخدمات الحكومية والمصرفية والتأمينية. إن التنمية الاقتصادية في أيامنا هذه تتطلب ما هو أكثر من مجرد التفكير في خط الفقر؛ بل يتعين علينا الآن أن نفكر في الخط الرقمي العالي السرعة، وخط الألياف البصرية - وكل الخطوط التي تستبعد هؤلاء المحرومين من الإمكانيات التي يعرضها علينا عالمنا.

بيد أن الفجوة الرقمية ليست فجوة ثابتة غير قابلة للتغيير. بل إن الأمر على العكس من ذلك تماماً، ففي غضون العقد المنصرم ضاقت الفجوة التكنولوجية بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية إلى حد كبير، إذا قيست بمستويات تغلغل أجهزة الحاسب الآلي الشخصية وتكنولوجيا المعلومات وخدمات الاتصالات، وذلك بفضل النمو السريع في استخدام الهواتف المحمولة وشبكة الإنترنت. إن المستوى المتوسط لتغلغل الإنترنت والهواتف المحمولة في العالم الغني في عام 1997 - 4.1 مستخدم للإنترنت و10.7 مستخدم للهاتف المحمول بين كل مائة مواطن - لم تبلغه البلدان النامية إلا بعد خمسة أعوام. وفي المقابل، سنجد أن المستوى المتوسط لتغلغل وسائل الاتصال ذات الخطوط الأرضية في البلدان النامية متأخرة بما يقرب من خمسين عاماً عن المستويات في الغرب. ولا ينبغي لنا أن نندهش حين نعلم أن أفريقيا - وليس أوروبا أو أميركيا - هي المكان الذي شهد تفوق الهاتف المحمول على الهاتف المنزلي الثابت لأول مرة. ففي غضون الأعوام الأربعة الماضية وحدها كان عدد الأفارقة الذين أصبحوا بين المنتفعين بخدمات الاتصالات يفوق عدد المنتفعين بها منهم طيلة القرن العشرين.

والقصة في الهند أكثر إثارة. فحين غادرت الهند في عام 1975 للالتحاق بالدراسات العليا في الولايات المتحدة، كان عدد سكان البلاد 600 مليون نسمة تقريباً، وكان عدد خطوط الهاتف الأرضية لا يتجاوز المليونين. واليوم يحمل الهنود الرقم القياسي العالمي في عدد الهواتف المحمولة التي بيعت في شهر واحد - 20 مليون هاتف - وأكبر عدد من الاتصالات الهاتفية التي أجريت في شهر واحد في أي من بلدان العالم في تاريخ الاتصالات السلكية واللاسلكية.

إن النمو الواضح الذي سجلته تكنولوجيا الهاتف المحمول يبرهن لنا على أن الفجوة الرقمية في سبيلها إلى التحول، وأن تركيز جهود التنمية لابد وأن يتحول معها. ففي الهند، على سبيل المثال، هناك 525 مليون مستخدم للهاتف المحمول، وأقل قليلاً من 150 مليون مستخدم لشبكة الإنترنت. وهذا يعني أن استخدام تكنولوجيا الهاتف المحمول كأداة للإدارة الإلكترونية أصبح يشكل أمراً بالغ الأهمية. وهذا يتطلب إيجاد وسائل مبتكرة لتطبيقات نقل المعلومات وتسديد واستلام المدفوعات الرسمية عن طريق الهاتف. وتشكل قضية الأمن المجال الرئيسي للانزعاج اليوم فيما يتصل بالإدارة الإلكترونية - سواء الأمن المادي في عصر الإرهاب، أو أمن الفضاء الإلكتروني. والواقع أن استخدام التكنولوجيا لتوفير الأمن سوف يشكل قدراً أعظم من الأهمية في مجالات مثل تبادل المعلومات، وإدارة الكوارث، ومعايير خصوصية البيانات.

إن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تشكل أداة قوية لمعالجة التأخر التنموي، والعزلة، والفقر، والافتقار إلى المساءلة السياسية والحرية السياسية. ولكن الناس يحتاجون أولاً إلى الوصول إلى خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. إن الاتصال بشبكة الإنترنت عن طريق البرود باند الفائق السرعة من شأنه أن يحسن كل شيء بداية من إدارة النقل وحماية البيئة وخدمات الطوارئ إلى الرعاية الصحية والتعليم عن بُعد والإنتاجية الزراعية. ولا شك أن تقديم هذه المنافع لأعداد متزايدة من الناس سوف يتطلب الموارد، والتعاون الدولي، والإرادة السياسية.

* نائب الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة.


 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد