Al Jazirah NewsPaper Tuesday  10/08/2010 G Issue 13830
الثلاثاء 29 شعبان 1431   العدد  13830
 
حكاية الخطط (الاستراتيجية) في الخطوط (السعودية) !
محمد بن عيسى الكنعان

 

من يتمعن البيانات الصحافية الصادرة عن الخطوط الجوية العربية السعودية، أو يدقق في تصاريح مسؤوليها ومقابلاتهم الإعلامية سيجد حديثاً عن (الخطط الإستراتيجية) التي لا تنتهي، وكأن مفردة (إستراتيجية)

أصبحت متلازمة لشعار هذه المؤسسة العريقة، التي طالما اعتزت بخدمتنا وقدمت شكرها المكرر في رحلاتها لأننا اخترناها، مع أن هذا الاختيار جاء لعدم وجود خيار آخر، كونها الناقل الجوي الوطني (الوحيد) قبل أن ُتحلق بالأجواء خطوط أخرى. فما حكاية (الخطط الإستراتيجية) في أعمال (الخطوط السعودية) ؟ لماذا هذا الهيام بهذه المفردة التي تُشنف الأسماع عند لفظها وتأسر العيون في رسمها ؟ هل لأنها ُتحيل سامعها أو قارئها إلى المستقبل المجهول، فلا يُحاسب قائلها بمدى ارتباطها الفعلي بالإنجازات الحقيقية على الأرض! أم أن هذه المفردة الأجنبية التي تعني (خطة طويلة الأمد) قد أصبحت طريقة ذكية ل(تغطية) الإخفاقات التشغيلية لهذه المؤسسة العريقة، وبالذات على مستوى رحلاتها الداخلية في أجواء المملكة بغض النظر عن رحلاتها الدولية.

تلك الإخفاقات التي تجاوزت مسألة نقص المقاعد وقلة الرحلات إلى تأجيلها بما يشبه الإلغاء. لدرجة أن صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار قد قال في مقابلة لإحدى الصحف المحلية: (من غير المعقول أن لا يجد مواطن مقعداً على رحلة جوية)، وهو بهذا التوصيف الواقعي قد سلط الضوء على حال خطوطنا السعودية، مؤكداً دورها السلبي على القطاع السياحي الذي يُعد اليوم أحد دعائم الاقتصاد الوطني، بينما المسؤولين فيها لازالوا يتحدثون عن (الخطط الإستراتيجية) لسنوات مضت وأخرى قادمة إن شاء الله، فهذا معالي مدير عام الخطوط السعودية المهندس خالد الملحم يكشف لصحيفة (عكاظ) عن زيادة عدد طائرات أسطول الخطوط السعودية ليصل إلى 82 طائرة، مشيراً إلى أن المؤسسة أعدت خطة إستراتيجية للسنوات العشر المقبلة - لاحظ إستراتيجية ، من أهم عناصرها تحديث الأسطول، إذ ستصل مع نهاية العام الحالي 39 طائرة جديدة، لمواكبة الطلب على الرحلات الداخلية والدولية، والمساهمة في الفعالية الاقتصادية، رغم أن هذه المساهمة انكشفت حقيقتها في قطاع السياحة بحديث سمو الأمير.

ما قاله المهندس الملحم يُعيد الذاكرة إلى حديثه الذي أدلى به قبل سنوات إلى أحد البرامج التلفزيونية في إحدى قنواتنا السعودية عقب توليه إدارة الخطوط السعودية و(الخطط الإستراتيجية) التي وضعتها المؤسسة، ما أثار حفيظة ضيف البرنامج في الأستوديو، الذي كان الكاتب الرائع في صحيفة (الجزيرة) الأستاذ سعد الدوسري، وأخاله يذكر ما قاله الملحم عن خططه وما علّق به على أرقام تلك الخطط.

إذا ً ينبغي أن يُدرك مسؤولو الخطوط السعودية أن بناء السمعة الإيجابية - إن وجدت - أو تعزيزها والمحافظة عليها في أوساط المجتمع المحلي هي المرتكز الحقيقي لنجاح المؤسسة عالمياً، وأن ذلك لن يكون بتلك الترنيمة الموسمية عن (الخطط الإستراتيجية) من قبيل التخدير الإعلامي والضحك على الناس، إنما بعقلية واعية وإدارة متمكنة وإنجازات حقيقية ترتبط بتحقيق رضا الراكب أينما كان بالنسبة لمستوى الخدمة ورقي الجودة وزمن الرحلة، سواءً كان هذا الراكب قابعاً في أطراف الشمال ينتظر أزيز طائرات السعودية التي انقطعت عن مطار رفحاء، أو كان في حائل يحلم بعودة رحلات السعودية لمعدلاتها الطبيعية التي تلبي حاجة سكان المنطقة، أو في مناطق المملكة الجنوبية التي تشهد نمواً سكانياً وحراكاً سياحياً متصاعداً، أو كان في محافظة بعيدة عن مركز العاصمة كوادي الدواسر أو في غيرها من مناطق المملكة. أما حديث (الخطط الإستراتيجية) فلن ُيقنع أي راكب لأنه سيعتبرها مجرد (استهلاك محلي) لتغطية إخفاقات العمل اليومي، خصوصاً في زمن تحررت فيه المعلومة وصار العالم قرية صغيرة، ما يجعله يقارن بين خطوطنا العريقة مع أقرب طيران خليجي ُيحلق حولنا، لسبب بسيط أن مدار المقارنة أساساً قائم على الأرقام التي يزهوا بها مسؤولو الخطوط السعودية من حيث ضخامة الأسطول، بينما تتراجع الجودة الجوية بشكل جلي في الخدمات المقدمة ومعدل الرحلات وعدد المقاعد، التي يتباهى فيها المهندس الملحم أنها تتحول إلى أسرّة وثيرة بكبائن منفصلة في الطائرات الجديدة - طبعاً لدرجة رجال الأعمال - لأن الراكب العادي سيُحشر في مقاعد تخلخل عظامه وتغير معالم جسمه، فلا يستطيع وقتها أن يستمتع بالخدمات عالية الجودة والتقنية التي توفرها الخطوط السعودية في تلك الطائرات مثل تصفح البريد الإلكتروني ورسائل SMS وغيرها مما ذكره مدير عام السعودية عن هذا الأسطول الاستراتيجي، لعله يكون بعون الله (الأمل الاستراتيجي) في إعتاق خطوطنا من خسائرها الموسمية كما جاء في حديثه (للجزيرة) في عددها رقم (13047) الصادر يوم الأربعاء 14 جمادى الآخرة 1429هـ الموافق 18 يونيو 2008م، بسبب تخلف المسافرين عن السفر بعد تأكيد حجوزاتهم، ما أهدر (أربعة ملايين) مقعد في ذلك الموسم. وهنا يأتي سؤال اللحظة الإستراتيجية: إذا كانت عدد المقاعد المهدرة بالملايين في عام 2008م فكيف لا يجد الراكب اليوم مقعداً رغم زيادة الأسطول ؟.. الجواب لدى الخطوط الإستراتيجية.. عفواً السعودية !.



Kanaan999@hotmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد