منذ البدء أتيتَ غزيرا دفعةً واحدة ومن كل الجهات هاتفا:

دعوا الحروف تأتي إليّ، وبيدك قلمٌ من قصب وناي ..

من قصب فاطمأنّت اللغة ورقّ النغم وكان بوحٌ وشعر وشوقٌ ووجد ونقد وحكايا وهديل حمام

منذ البدء أبحرت بعيدا وعميقا وفي صدرك ضجّت على الدوام نجوم وفي برديك غفا نعسا بدر الصحراء

فبرقت عيناك بالوعد وأشرق مداك بالرؤى ما بين (الأحساء) و(البحرين) وما بين نيل (مصر) وبلاد الضباب

وأربع مياه ورياح الأرض

على صهوات الموج ارتقيت وعلوت وعلى محيّاك لاح سهد الرمل وشجن الماء فحوّمت في فضائك الرحب

جذلى رفوف الحباري والقطا وقد ملكت يمينك سرّ الحبر وسحر العزف ومفتاح الكلام

منذ البدء وأنت تنافس الوقت والميقات والزمن فلا هدأت على متن ولا استكنت على ضفاف كصاحب سفر

مستدام له البدايات والرحلة والطريق

لكأنّ مياهك بلا شواطىء وسفينك بلا مرساة فاتحا في حلك الوحشة شبابيك ضوء وبهجة وبياض

تمرّ على اليابس فيخضّر متنكّبا وجعَك الدفين وحدك واهبا فرحك كل فرحك إلى الآخرين

منذ البدء أدمنتَ قلق الروح وهِمت في الترحال والسفر رافضًا الوقوف والانتظار على كعوب نخل علّه يساقط

الرطب معانقا تهاويل بكر واحات صمدت أمام هوج خماسين الرياح

منذ البدء وقامتُك لم تعرف الانحناء ولم يمسسْك ريب ولا اعترتك شكوك وسيف رؤاك المسلول لم يختبر

عتم الغمد في كل ماكتبت وقلت وعملت

أبا سهيل: ما أصعب الكلام عنك بصيغة الماضي وأنت الذي تقيم في الحاضر وفي كل الآتي بقلوب أولادك

وعائلتك وبلدك وفي فكر وضمير مريديك ومحبيّك وعارفيك من جمعت لهم من بيادر الدنيا الحَبّ والحُب

وطرحات القصب

يا سيّد الأقمار: برحيلك المدوّي امتزج دمعُنا العذب بدمعنا المرّ المالح حيث سنبقى معك حيارى عند ملتقى الدمعين

يا سيّد الأقمار: ما زلنا نطاعنُ موتا على خيل الغربة وقد ضاع النصل ولم يبق في الأكف سوى صدأ المقابض

أيها المعلم الصديق: رحيلك أسقط الربيع من السنة