منذ أن بدأنا نشق طريقنا في عالم المال والأعمال، ونحن ندرك الدور الكبير الذي تلعبه القامات الوطنية التي أوكل لها ولي الأمر في مختلف أزمنة الدولة إدارة المؤسسات والوزارات التي تخدم مختلف القطاعات وتسهم في نموها وسن الأنظمة..
.. والقوانين في وقت كانت فيه الدولة تحث الخطى باتجاه المستقبل والتطوير والنهضة.
ولقد كان معالي الوزير الراحل الدكتور غازي القصيبي رحمه الله واحداً من أولئك الرجال الأوائل الذين نهضت على يديهم المؤسسات والقطاعات التي تولوها خاصة أنه من الرعيل الأول من جيل السعوديين الذين ابتعثوا للدراسة في الخارج، والذين عادوا بعلومهم ومعارفهم ليسهموا في بناء دولتهم، ولقد كان الراحل أحد أبرز أولئك الذين تحملوا دوراً ريادياً في عملية النهضة والتنمية، والمناصب التي تقلدها الوزير القصيبي لم تكن مجرد مناصب بيروقراطية ولم يكن دوره فيها دور عمل بقدر ما كان دور بناء وتشييد، ولقد شهدت مختلف المحطات الوظيفية التي حاط فيها الراحل الكبير رحاله نهضة واسعة انعكست على حياة الناس وأثرت في مستقبل تلك المؤسسات، ففي المؤسسة العامة لسكة الحديد كان المنصب الأول، وفيه استطاع القصيبي أن ينهض بهذا القطاع وأن يطور خدماته، وتسجل له الذاكرة العديد من المواقف التي تعترف بإسهاماته. وامتدت لتشمل تسلمه لوزارة الصناعة والكهربا، ويتذكر كثير من زملائنا من رجال الأعمال في القطاع الصناعي كيف أسهم القصيبي في خلق مناخ إيجابي لتطوير الصناعة الوطنية، وكيف أسهم في بناء المدن الصناعية التي تحولت بعد ذلك إلى شواهد حضارية وطنية، بل كان الدور الأبرز للراحل هو في العمل من خلال وزارته على إيصال الكهرباء لمختلف مدن ومناطق المملكة، والنهضة المبكرة والتأسيسية التي شهدتها الكهرباء إنما تعود للفترة التي كان فيها الوزير القصيبي على رأي الوزارة.
على الجانب الآخر، يتذكر المواطنون ذلك الدور الحيوي الذي لعبه الوزير القصيبي في النهضة الصحية حينما تسلم وزارة الصحة، وكيف كانت قصصه أحاديث تدور على ألسنة الناس في المجالس وهم يتعرفون على نموذج جديد في العمل الإداري.
على المستوى السياسي فلقد كان الوزير من أشهر السفراء السعوديين الذين قدموا إضافات إيجابية لصورة المملكة في الخارج، ويشهد السعوديون في كل من البحرين وبريطانيا على حيوية الدور الذي كان يؤديه القصيبي سفيراً، إضافة إلى أنه ومن خلال تلك السنوات استطاع أن يقدم صورة مشرفة للثقافة السعودية والإنسان السعودي.
بالنسبة لي ولكثير من رجال الأعمال، لا بد من الإشارة وبشكل واسع إلى الفائدة الكبرى التي حصدناها ونحن نقرأ كتاب (حياة في الإدارة) للوزير الراحل، فقلد منحنا من المعارف والرؤى الإدارية ما كشف لنا عن بعض عناصر النجاح والتميز التي استطاع من خلالها القصيبي أن يمثل بحق مدرسة في الإدارة والعمل والإنجاز.
إننا أمام نموذج لرجل وطني، يؤكد أن رؤية قيادتنا الحكيمة في مختلف مراحلها على اختيار الكفاءات الوطنية تهدف دائما إلى اختيار الرجال الذين يبنون مواقعهم لا يديرونها فقط، والرجال الذين يجعلون من خدمة الوطن والمواطن هدفاً سامياً، ولقد كان الوزير الراحل بحق وعن جدارة، رجلاً من القامات الوطنية الشاهقة التي سيظل الوطن يذكرها، وسيتعلق به الشباب نموذجاً وقدوة للرجل الوطني الذي وهب كل حياته لرفعة وطنه.
لقد كان رحيل القصيبي فاجعة وطنية وإنسانية، والجميع يدركون دوره الريادي في إنشاء وتأسيس العديد من الجمعيات الخيرية والوطنية التي مثلت بدايات مشجعة لتأسيس العمل الخيري في المملكة.
رحم الله غازي القصيبي، فلقد رحل بجسده، بينما سيبقى ذكره بيننا نتوارثه جيلاً بعد جيل.