Al Jazirah NewsPaper Thursday  26/08/2010 G Issue 13846
الخميس 16 رمضان 1431   العدد  13846
 
نزهات
«كلانا» ونشيج الديلزة..!
يوسف المحيميد

 

خلال هذا الشهر الكريم تكثر الصدقات والأعمال الخيرية، التي تتنوّع بين دعم الجمعيات الخيرية، وكفالة الأيتام، ودعم الفقراء والمحتاجين، لكن الأكثر أهمية من أن تحقيق المأكل والملبس هو ضمانة الصحة العامة للإنسان الذي لا يملك ثمن الدواء، خاصة حين يصاب بالأمراض المزمنة، التي تتطلب علاجًا مكلفًا مدى الحياة، مثل الفشل الكلوي أو السكري وغيرهما، في ظل عجز واضح جدًا من المستشفيات العامة وقطاعات وزارة الصحّة التي لم تزل تفشل في تأمين سرير لمريض يحتاج إلى عملية عاجلة، أو لمريض يحتاج إلى غسيل كلوي من ثلاث إلى أربع مرات أسبوعيًا.

من هنا جاء دور هذه الجمعيات الخيرية، التي تخصصت في أمراض محددة، ذات كلفة عالية، لا يستطيع المواطن العادي دفعها إلى المستشفيات الأهلية الخاصة، ولا تستطيع المستشفيات الحكومية تأمينها في ظل شح الإمكانيات مقابل تزايد الإصابات بمثل هذه الأمراض.

أعتقد أن من أبرز أعمال الخير، التي يجب على رجال الأعمال والميسورين، القيام بها، هي توفير هذه الأجهزة الضرورية، كجهاز الديلزة المخصص لغسيل الكلى وغيرها، أو دعم هذه الجمعيات الخيرية، مثل جمعية الأمير فهد بن سلمان الخيرية لمرضى الكلى، خاصة إذا كانت كلفة جلسات الغسيل الكلوي الدموي تعادل 115 ألف ريال سنويًا، وهو مبلغ أعلى كثيرًا من طاقة مواطن من الطبقة المتوسطة، أو طبقة الموظفين والمدرّسين ومن في حكمهم.

حينما نعرف أن هذه الجمعية قد خدمت أكثر من 700 مريض بالفشل الكلوي منذ انطلاقتها مطلع 1428هـ، أي خلال ثلاث سنوات تقريبًا، بمبالغ تقدّر بثمانين مليوناً وخمسمائة ألف ريال، فإننا نشعر بسعادة وحزن معًا، سعادة أن توجد جمعيات تمارس هذا الدور الإنساني النبيل، وحزن بأن تصل حالة تردّي القطاعات الصحية الحكومية إلى هذه المرحلة، من الغياب عن ممارسة دورها الحقيقي في خدمة المواطن المريض بالفشل الكلوي وغيره.

صحيح أن عدد المرضى قد ارتفع إلى أكثر من 11 ألف مريض، بزيادة تصل إلى 9% سنويًا، وهذا مرض واحد فحسب، فما بالك بمرضى السكر وضغط الدم وأمراض القلب وغيرها، وصحيح أن الخدمات الصحيّة الحكومية لا تزيد بذات المعدّل، وصحيح أن كلفة عملية فصل توأم سيامي تصل أحيانًا إلى أربعة ملايين ريال، وصحيح أن هذه الملايين الأربعة تكفي لجلسات غسيل كلى 34 مريضاً خلال عام كامل، إلا أن المهم هو أن يبادر من يرغب بالعمل الخيري لإنقاذ هؤلاء المرضى، بتأمين الأجهزة ودعم هذه الجمعيات المتخصّصة.

كلما قرأت خبرًا عن مرضى الفشل الكلوي، ومعاناتهم مع جلسات الغسيل المضنية، تذكّرت على الفور نصوص القاص الراحل عبدالعزيز مشري، التي وثّق فيها معاناة المريض مع هذه اللحظات العصيبة، ومع صوت ماكينة الغسيل الذي يشبه النشيج أو البكاء، في مجمل أعماله، خاصة مجموعته «الزهور تبحث عن آنية»، فكم بعده من مريض مرّ على ماكينة الغسيل! وكم من آهة بشرية طويلة صاحبت نشيج الديلزة!.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد