Al Jazirah NewsPaper Tuesday  31/08/2010 G Issue 13851
الثلاثاء 21 رمضان 1431   العدد  13851
 
رحلة بيلي إلى الرياض عام 1281هـ (1865م)
ترجمة وتعليق الدكتور أحمد إيبش
عبد الرحمن بن سليمان الرويشد

 

صدرت عن هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، ترجمة جديدة لرحلة بيلي إلى الرياض عام 1281هـ (1865م)، بتعليق الدكتور أحمد إيبش عام 2010م. ضمن سلسلة إنتاج الهيئة (رواد الشرق العربي) وهي باكورة أعمالها.

والجدير بالذكر أنه سبق ترجمة هذه الرحلة منذ عشرين عاماً، إذ نشرتها جامعة الملك سعود في الرياض عام 1411هـ (1991م) تقدمة الدكتور عبد الرحمن الشيخ والدكتور عويضة بن متيريك الجهني، وتعليقاتهما.

وتحظى الرحلة بشهرة واسعة لدى المؤرخين الغربيين والعرب المحدثين، على حد سواء.. كما تحمل في الوقت نفسه وجهات نظر متباينة للمحللين التاريخيين.

والغريب أن تلك الزيارة التي قام بها الكولونيل لويس بيلي إلى الرياض لم تلفت انتباه مؤرخي تلك الفترة في بلادنا، كما لم تلفت انتباههم زيارة (وليام جيفورد بلجريف) قبلها بعامين. وكم كان المرء يتمنى لو تم ذلك، للتعرف على مدى ردود الفعل لمثل تلك الزيارات التاريخية المهمة، أو ربما تنبهوا لها غير أنهم آثروا الصمت عن الحديث المكتوب.. أما المؤرخ الكويتي، عبد العزيز الرشيد، الذي انطلقت الزيارة من بلاده فقد قال عنها قدم لويس بيلي إلى الكويت، في إحدى المراكب التجارية، ليقوم منها بسياحة إلى الرياض، فنزل ضيفًا عند، يوسف البدر، وأظهر له عزمه على السفر، فأشار يوسف البدر عليه أن يعرض الأمر أولاً على الأمير ابن صباح، فذهب لويس بيلي للأمير، وطلب منه أن يرسل معه رجالاً يوصلونه إلى الرياض، فقال الأمير ابن صباح: أرى أن تخابر ابن سعود يعني (الإمام فيصل) وتستأذنه، فجرت المخابرة بين الاثنين، وجاءه الإذن، لكن عندما قرب لويس بيلي من سور الرياض، هبَّ رجال الدين هناك، وطلبوا من الإمام أن يمنعه من الدخول، ونزل على حكم العلماء، وأبلغ الإمام فيصل السائح الإنجليزي بذلك، فرجع لويس بيلي من حيث أتى.

وقد أثارت تلك الرحلة، منذ صدورها عام 1283هـ (1865م) جدلاً واسعاً، إذ يرى فيها البعض رحلة تمثل في توجهها مبادرة بريطانية لفتح الباب لصداقة مع الإمام فيصل بن تركي، وإنشاء علاقة معه، ليدوم السلام بينهما. مما أكد عند كثير من المؤرخين وجود اتصالات ودية سعودية بين أجداد الملك عبد العزيز وبين بريطانيا.

ولذلك تحدث الشيخ (حافظ وهبة) عن وجهة نظره تجاهها قائلاً: وعلى الرغم من اعتراف الإمام فيصل بسيادة الأتراك الاسمية، إلا أن ذلك لم يمنعه من مفاوضات الكولونيل لويس بيلي المقيم السياسي في (أبو شهر) على الشاطئ الشرقي للخليج. وكأنه يميل إلى القول أنها مبادرة بريطانية.

وتابع (حافظ وهبة) في هذا التوجه عدد من المؤرخين، مؤكدين أن الرحلة كانت تستهدف تحسين العلاقة بين الدولة السعودية الثانية، وبريطانيا.

ومعلوم أن تلك الرحلة، قد جرت في أواخر حياة الإمام فيصل، ونشرت في مجلة الجمعية الملكية البريطانية، فيما بعد، ومن الملاحظ أن لويس بيلي لم يقدم تقريره عنها، إلا بعد خمسة شهور من وفاة الإمام فيصل.

وقد جاء تقريره في (170) فقرة، يفهم منها أنها لم تكن بعثة صداقة، كما ادعى لويس بيلي نفسه، وكما روج المؤرخون من بعده؛ بل جاءت في فترة تردت فيها العلاقات السعودية - البريطانية بسبب التدخلات الإنجليزية في سلطنة مسقط، وإمارات الساحل, والبحرين.

وقد أكد لويس بيلي في إحدى الفقرات أن سوء العلاقة مع الإمام فيصل، كان بسبب إدعائه امتلاك الساحل الشرقي للجزيرة العربية، من الكويت حتى رأس الحد: مما أثار مخاوف حليفهم سلطان مسقط، فقطعت كل العلاقات مع أمير نجد.

إذاً، هي رحلة استطلاع وتخويف، وكان الإمام فيصل على علم بذلك، فرفض الرد على طلب لويس بيلي في رسالته الأولى، لكن لويس بيلي وضع الإمام فيصل أمام الأمر الواقع، وأبلغه أنه في الطريق إليه.. كما كان من أسباب تلك الرحلة أيضاً, قلق بريطانيا من النفوذ الفرنسي المتزايد, والإشاعات عن اتصال الفرنسيين بالإمام فيصل وقد أشار لويس بيلي أن الإمام فيصل أكد له تلك الاتصالات.

وعندما اقترح الإمام فيصل أو وزيره (محبوب بن جوهر) عقد معاهدة عدم اعتداء بين الأسطول البريطاني، وعرب عمان وصور والساحل، رفض لويس بيلي أن يرتبط بأي شكل يوحي بالسلام والمسالمة. كما أشار لويس بيلي لرفض حكومته عرض السعوديين الدخول في معاهدة مع بريطانيا عندما تعرضوا لضربات باشاوات مصر. ثم استعادوا قوتهم عندما انسحب باشا مصر من الجزيرة العربية، وتقلص وجود البريطانيين، فاستأنفوا سياستهم العدوانية القديمة، وتمكن الإمام فيصل من ضم الأحساء والقطيف ورأس الحليج، بعد أن استرضى تركيا بدفع جزية اسمية وقد انتشر صيتهم حتى هندوستان، وبالغت الصحف في التحدث عن أهميتهم، ومراكز نفوذهم وأنصارهم على طول ساحل إيران والجزيرة العربية، وهي التي يزعم فيصل أن الله وهبها لأسلافه، من الكويت إلى رأس الحد.

ويرسم تقرير لويس بيلي خريطة للمناطق التي لا تقبل بريطانيا بالوجود السعودي فيها، لأن سكانها - كما يقول - أكثر تقدماً من أهل نظام وضعت نصوصه في القرن السابع، و تشمل هذه الخارطة الساحل كله وساحل عمان ومسقط.

والملفت أن المستر فيلبي زعم أن زيارة لويس بيلي للإمام فيصل انتهت بتوقيع اتفاق عربي - بريطاني، ولا يوجد ما يدل على هذا القول، فالكابتن شكسبير الذي التقى الملك عبد العزيز، يقول إنه نقب عن تلك الاتفاقية، فلم يجد إلا العقوبات التي أنزلها البريطانيون بالسعوديين.

ومن يقارن هذه الترجمة الجديدة لرحلة بيلي التي علَّق عليها الدكتور أحمد إيبش، ونشرتها هيئة أبو ظبي بالترجمة الأولى، التي نشرتها جامعة الملك سعود، يجد فيهما تطابقاً كبيراً في التوجه، و يكتشف أن الرحلة كانت غصن زيتون قدم للقوى السعودية، لكن الأحداث التي جرت بعد موت الإمام فيصل، عاقت الحكومة البريطانية، عن تنفيذ توصيات تلك الرحلة.

كما قد يلاحظ اتفاق الترجمتين في الإشادة بالمعلومات والملاحق التابعة للرحلة، لكن من المؤكد أن الترجمة الجديدة، أفادت كثيراً من الترجمة القديم التي نشرتها جامعة الملك سعود، وتعليقاتها.

والمدقق في معلومات الرحلة, يصعب عليه التسليم بمعظم ما فيها، سواءً ما يتعلق بتوثيق المعلومات التاريخية أو الاجتماعية أو وجهة النظر العقدية. كإشارة الرحالة لعدم وصول الإسلام لبعض القبائل في الجزيرة العربية، قبل الدعوة الإصلاحية. والأقرب للتصور في هذا الأمر، أن استمرار التخلف والعزلة، ربما أنسى بعض البادية، أو القبائل التي أشار إليها، بعض الواجبات الدينية.

وبعيداً عن المبالغة، التي أشير إليها في بعض المراجع عن البعد عن الدين، نؤكد أن كثيراً من البلاد الإسلامية في الشرق والغرب، وليس في بلاد نجد وحدها، قد بعدت عن تطبيق كامل مفاهيم الإسلام، فيجب أن يؤخذ ما ذكره لويس بيلي وغيره بتحفظ شديد.

وبعيداً أيضاً عن تبني نظرية المؤامرة، فإن المؤرخين (محليين وأجانب) تجنبوا إدراج كراهية بريطانيا وحصارها الدائم للدولة السعودية الثانية، وضرب مصالحها ضمن أكبر الأسباب التي أدت لانهيار الدولة السعودية الثانية.. بل اقتصر السبب عندهم، على شيء واحد، هو ما جرى من خلاف بين الأخوين الإمامين (عبد الله وسعود) وما لحق بذلك من تداعيات، وإن كان ثابت ومعروف في تاريخنا بالضرورة، إلا أنه بالتتبع والملاحظات الدقيقة، يدرك المحلل أن ما حصل كان في الدرجة الأولى نتيجة مؤامرات القوى الكبرى في المنطقة، وضرب مصالح الدولة السعودية الثانية، وإسقاط هيبتها.. ولي عودة إلى مناقشة هذا الموضوع في مناسبة أخرى

إن شاء الله





 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد