Al Jazirah NewsPaper Thursday  02/09/2010 G Issue 13853
الخميس 23 رمضان 1431   العدد  13853
 
(الجزيرة) تزور بلاد النظام وناطحات السحاب
كوريا الجنوبية.. بلد وضع لنفسه البصمة العالمية بالتقنية والصناعات الإلكترونية

 

سيئول - عبدالله الدماس

رغم أنها لا تملك سوى مساحة بسيطة من الأرض تصل إلى نحو 98كم2 إلا أنها في المقابل تحوي عدد سكان يبلغ أكثر من 49 مليون نسمة تتنوع مذاهبهم بين المسيحية والكاثوليكية والبوذية، فيما يبلغ عدد المسلمين فيها نحو 145 ألف مسلم.. إنها (كوريا الجنوبية) بلد الحضارة والصناعة التي استطاعت أن تثبت قدرتها على التحدي في وقت قياسي حيث كانت الصناعة هي تركيزها الأول والديمقراطية هي الأخرى، ولم يكن البرد الشديد والثلوج المتساقطة عائقاً أمام ممارسة الشعب الكوري حياته اليومية والعملية، بل تجد الفرد الكوري مفعماً بالنشاط والحيوية، ولعل الجري وممارسة الرياضة في مثل تلك الأجواء لخير دليل على ذلك. كانت الفكرة في ذهني وأنا أسرح بفكري خلال الرحلة أن هذه البلاد لا تمتلك من المقومات سوى صناعة الإلكترونيات؛ نظراً إلى ما عرفناه منذ صغرنا عن تلك الإلكترونيات ذات الصناعة الكورية إلا أن تلك الصورة كانت مغايرة عن الواقع، والتي أوضحت أن هذا البلد الواقع في أقصى الشرق الآسيوي يمتاز بصناعة السفن والسيارات والإلكترونيات والمقومات السياحية البكر.

المطارات الذكية وناطحات السحاب

حطت بنا الطائرة في مطار أنشون الدولي الذي يطلق عليه المطار الذكي والمتطور نظير ما يمتاز به من إمكانات تقنية عالية؛ حتى يجعلك تقتنع بعبقرية وعقلية الرجل الكوري؛ لذلك حصل على جائزة أفضل مطار دولي على مستوى العالم في مجال خدمات الطيران لأربع مرات على التوالي. وتعتبر هذه الجائزة مثل جائزة نوبل؛ لتقييم خدمات استخدام المطارات؛ إذ أنشئ في شهر مارس من عام 2001م ومنذ افتتاحه صار مكاناً يربط بين دول وقارات العالم، كما أنه يقع في منطقة ساحلية قريبة من سيئول حيث يذهلك بمساحته الواسعة وتصميمه الرائع. وبعد أن انتقلنا من المطار إلى العاصمة سيئول يشدك عدد من المناظر التي تبهرك من ناطحات السحاب الأعلى ارتفاعاً والشوارع الفسيحة والواسعة، ورغم أعداد السيارات الكبيرة التي تشهدها الشوارع إلا أنك لا تحس بالزحام المعتاد في بقية الدول الأخرى، ويعود ذلك إلى فضل كفاءة النظام المروري الكوري على الطرقات، كما لاحظنا خلال الطريق إلى العاصمة سيئول أكبر نهر يقسم المدينة إلى قسمين يطلق عليه هان كانغ حيث تقع على ضفافه مدن كبيرة يربط بينها نحو 24 جسراً معلقاً، فيما يبلغ طول هذا النهر نحو 510كم، ويعتبر شرياناً للعاصمة ويساهم في انخفاض تكدس الحركة المرورية داخل المدينة، ويشاهد المار بالقرب من هذا النهر انتشار الملاعب والمنتزهات والحدائق وممارسة رياضة الدراجات على ضفاف هذا النهر إلا أن ما يميز هذا البلد هو أن شعبهم مضياف لأي أجنبي يزور بلادهم؛ فتجد الكوريين يحرصون على إطعام الضيف في الأبراج العالية، ويجدونها فرصة لإطلاع ضيوفهم على معالم المدينة من تلك الأبراج ذات الطوابق المتعددة والمناظر الخلابة لمدنهم؛ ففي أحد الأبراج الذي قضينا فيه جولة، ويبلغ من الطوابق 63 طابقاً، ويقع على نهر هان كانغ تشاهد جميع المدن الأخرى من علوها في منظر أشبه ما يكون بلوحة مرسومة بريشة فنان.

أكثر شعوب العالم التهاماً للأسماك

لأن الطعام الكوري لا يناسب الأجنبي المسلم مثلنا فإننا نجد صعوبة في إيجاد أي صنف يكون مناسباً لطعامنا إلا أننا حاولنا الوصول إلى بعض المطاعم التي تقدم الأكل العربي في منطقة تعرف باسم أتاوان حيث تكثر فيها الجاليات العربية المسلمة؛ نظراً إلى ارتباطاتهم العملية والتجارية والدراسية هناك، إلا أننا، رغم ذلك، فضلنا الوجبة الوحيدة التي يعتبرها الشعب الكوري من الوجبات المفضلة لديه، وهي الأسماك التي يعتبر الكوريون من أكثر شعوب العالم أكلاً للأسماك بمختلف الأصناف والأنواع؛ حتى أصبحت أطباقهم الرئيسية لا تخلو من الجمبري المبهر بالفلفل الحار. أما في مجال الصناعات الإلكترونية فلا يخلو أي منزل لدينا في الشرق الأوسط إلا ويحمل إحدى العلامات لشركات الإلكترونيات الكورية التي أصبحت ذات سمعة تقنية عالية مؤخراً؛ فها هي أل جي عملاق صناعة الإلكترونيات التي تعتبر أحد أهم مصادر الدخل في البلاد تتربع على عرش الصناعة والتقنية العالية؛ ففي العاصمة سيئول يقع برجان عند مشاهدتك له من أول نظرة تطلق عليه البرج التوأم نظراً إلى التشابه في البناء والعمار، ولعل أل جي التي تعتبر رئة الاقتصاد الكوري، والتي دخلت كتاب غينيس للأرقام القياسية قبل أعوام بجهاز تلفزيون بلغ حجمه 100 بوصة لواحدة من المنجزات التي يفخر بها الشعب الكوري، وعند تجولنا في مصانع الشركة التقيت مدير عام التسويق بالعاصمة الكورية كي دونغ جان. وعند الحديث عن جديد الشركة لهذا العام أوضح أن أل جي ستعرض تلفزيوناتها ثلاثية الأبعاد ذات التقنية العالية خلال هذا الشهر وهي تقنية تعتمد على البعد الثلاثي ويتزامن ذلك من انطلاق مباريات كأس العالم التي تنطلق خلال الشهور القادمة. أما عن وجود الكاميرات وطريقة عملها في نقل هذه التقنية خلال كأس العالم فأجاب دونغ جان بأن في الأحداث الرياضية يتم التصوير بشكل ثلاثي وهي تأتي مجهزة لذلك الأمر، وتحتوي على عدستين؛ لأنها تعتمد على التقاط الصور من كاميرتين مختلفتين تكون مدمجة بتقنية عالية؛ مما يتطلب عند المشاهدة من خلال تلك الشاشات استعمال نظارات خاصة لتلك الميزة التي تقدم مع المنتج عند شرائه حيث إنها تعمل بتردد 480 هيرتز للصور بعضها مع بعض. أما عن صناعة الأفلام وعرضها من خلال تلك الشاشات التي ستكون ثورة الجيل القادم؛ إذ بيّن لنا المدير التنفيذي لشركة أوبترا الكورية عن تحويل أي فيلم من 2D إلى تقنية البعد الثلاثي بأن ذلك يتطلب نحو 6 أشهر و300 فرد فيما يصل التكلفة إلى نحو 5 ملايين دولار. وأكد أنهم يعملون على الانتهاء من تطوير برنامج يقوم بالتحويل بطريقة آلية وجهد قليل حيث يجري العمل عليه حالياً. فيما كشف مسؤول المبيعات في أل جي إلكترونيك سانغ كيونغ كيم أنه يتوقع أن تصل مبيعات التلفزيونات ثلاثية الأبعاد إلى أكثر من 3.5 مليون شاشة هذا العام 2010م على أن يزيد ذلك للوصول إلى 12 مليون وحدة خلال العام المقبل، مفسراً ذلك بأن أل جي اعتمدت على التصاميم والألوان الني تنفرد بها، إضافة إلى التصاميم المسطحة وجودة الألوان ووضوح الصورة.

المبتعثون والحنين إلى الوطن

كانت الوجهة هذه المرة إلى المسجد الوحيد الذي يقع في منطقة أتاوان من العاصمة؛ وذلك لأداء صلاة الجمعة، حيث كان المشهد جميلاً وأنت تشاهد جميع الجنسيات والجاليات من كل الدول المسلمة وهم يؤدون الصلاة في مكان واحد وبمختلف الثقافات، ويعتبر مسجد سيئول المركزي للجاليات المسلمة مثل نيجيريا وإندونيسيا وبنغلاديش، إضافة إلى المسلمين من الكوريين الذين يصل عددهم إلى نحو 145 ألف مسلم، الوحيد في العاصمة، فيما تنتشر المساجد الأخرى في مدن متفرقة من الدولة مثل مسجد بيبي يونغ ومسجد أنصان ومسجد داي حي ومسجد كوانغ جو ومسجد بوشين ومسجد داي جيون، وبعد أن أدينا صلاة الجمعة وخروجنا من المسجد التقينا عدداً من الشباب السعودي المبتعث في كوريا ضمن بعثات خادم الحرمين الشريفين حيث سرهم وجودنا في سيئول، وعبروا عن مشاعرهم وحنينهم إلى وطنهم، ولكن ظرف الدراسة والحصول على التعليم العالي هي من أجبرتهم على فراق الوطن، متمنين أن ينتهوا في أقرب وقت للعودة إلى حضن وطنهم.

رفض المجتمع الكوري للتدخين

يعتز الشعب الكوري بلغته كثيراً؛ لذلك تجد القليل منهم يتحدث الإنجليزية إلا أنهم رغم ذلك يحاولون أن يشرحوا ويوصلوا لك المعلومة بلغات الإشارة عند سؤالهم عن شيء معين؛ فهم شعب ذو أخلاق عالية واحترام للضيوف؛ لذلك تجد الابتسامة لا تفارقهم والانحناء إليك عند الاستقبال والتوديع. إن أهم ما لاحظناه في كوريا هو اهتمام شعبها بالنظافة، كما أنك من النادر تشاهد مواطناً كورياً يدخن ما عدا من هو على النموذج الغربي فيفضل الاختفاء عن الأنظار، ويأتي ذلك بسبب رفض المجتمع الكوري لذلك الشيء، ويشتهر الكوريون بالجينسينغ الذي له فوائد طبية كثيرة؛ لذلك تجد العديد من المحلات المنتشرة في المتاجر الكبرى التي تبيعه بجميع أنواعه وأشكاله، ومن النادر أن ترى متسولين في الشوارع مثلما نشاهده في بقية الدول الأخرى، وهذا يدل على نزاهة شعبهم وعلو كرامتهم. ونحن في طريق العودة إلى أرض الوطن وأنا أفكر في التجربة الكورية التي نهضت وسط ظروف صعبة وبإمكانات قد تكون ضعيفة لينتج عن ذلك في المقابل عزيمة في التحدي والإثبات في الإنتاج الاقتصادي والتقني بأياد وعقول إلكترونية.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد