Al Jazirah NewsPaper Tuesday  07/09/2010 G Issue 13858
الثلاثاء 28 رمضان 1431   العدد  13858
 
د. غازي القصيبي مكافحاً للتبغ
د. عبدالله بن محمد البداح

 

منذ إعلان وفاة الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله- وكلمات ومقالات وقصائد التأبين والعزاء تتوالى في الإعلام بوسائله المختلفة المرئي والمقروء منها ومنتديات الشبكة العنكبوتية.. وقد تعرضت كل الكلمات والأحاديث لجوانب عديدة من حياته -رحمه الله- الأدبية والفكرية والثقافية والإدارية.. وقد رأيت التريث للكتابة عنه في ما أريد أن أشير إليه من جانب غُفل عنه أملاً أن يكتب عنه من هو أكثر معرفة والتصاقاً به.. إلا أنني وبعد مسح شبه كامل لما كتب وسطر عنه -رحمه الله- لم أجد من تطرق لغازي القصيبي كمكافح جسور للتبغ في المملكة العربية السعودية، فقد قام بدور عظيم وجهود جبارة بالرغم من قصر المدة التي قضاها في وزارة الصحة.

تسلم د. غازي القصيبي وزارة الصحة وجهود مكافحة التدخين في بدايتها على المستوى الوطني أو الخليجي أو الإقليمي إذ كان سلفه أ. د. حسين الجزائري من أوائل وزراء الصحة العرب مع د. عبدالرحمن العوضي وزير الصحة الكويتي الذين اتخذوا قرارات (حكومية رسمية) شكلت بدايات بسيطة وإن كانت أساسية لجهود مكافحة التبغ.

بدأ د. غازي جهوده بالعرض على المقام السامي نهاية عام 1403هـ لمنع التدخين في الوزارة والمكاتب والمؤسسات الحكومية، وكان له ذلك في محرم 1404هـ بتوجيه ملكي بمنع التدخين في المكاتب الرسمية مؤسساً لمفهوم منع التدخين في الأماكن العامة بفترة مبكرة جداً.. ولم يكن يكتفي بهذه الخطوة فبادر بفكرة مساعدة المدخنين على الإقلاع عن التدخين من خلال تبني عيادات للإقلاع عن التدخين، وبدأها في أوائل عام 1404هـ بأول عيادة عربية وخليجة بمدينة الدمام وتمت الاستعانة بالدكتور يحيى خواجي (رحمه الله) من جامعة الملك فيصل بالدمام كاستشاري متخصص بالوخز بالإبر والذي تدرب في أمريكا على مكافحة التدخين ثم أعقبها بعيادة بمدينة الرياض وتوالت بعد ذلك العيادات.. وبهذا تزامنت افتتاح هذه العيادات في أوائل الثمانينيات الهجرية مع نفس الفترة تقريباً التي بدأ فيها مفهوم خدمات الإقلاع عن التدخين في العالم الغربي.

لم يكتف د. غازي -رحمه الله- بالجهد الحكومي لمكافحة التبغ.. بل وسع دائرة الاهتمام بإدخال مفهوم الجمعيات الصحية الخيرية لتعمل في خدمة جوانب كثيرة ذات علاقة بالصحة وليس حصراً على مجال التبغ فتبنى إنشاء الجمعيات الخيرية، فبدأ بإنشاء جمعية الأطفال المعوقين ثم إنشاء الجمعية الخيرية لمكافحة التدخين في ذي القعدة عام 1403ه.

في وقت كانت الوزارة المعنية (وزارة العمل والشؤون الاجتماعية) لا تعرف سوى الترخيص لجمعيات البر والجمعيات النسائية، فأحدث نقله كبرى في أسلوب عملها ثم استثمر علاقته المتميزة لكسب مساندة أصحاب الأموال للوقوف بجانبه في حركة مكافحة التبغ شعبياً، وسبق زمانه في نشر ثقافة ما عرف مؤخراً ما يسمى بالمسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص فدعا كل من الشيخ صالح الراجحي (متعه الله بالصحة) والشيخ إسماعيل أبو داود (رحمه الله) ووزير المعارف (حينها) ود. عبدالعزيز الخويطر ولم يكتف بذلك فأغرى القطاع المصرفي للمساهمة في دعم الجمعية.

أذكر للدكتور غازي -رحمه الله- وصية قيمة أوصى بها إدارة الجمعية لتركز على إنقاذ المراهقين من استهدافات شركات التبغ لهم فكان ذا وعي وبصيرة وخبيراً ببواطن الأمور أثبتت بمور الأيام وصدقت توقعاته، حيث كشفت التقارير لما قال -رحمه الله- أوصيت إدارة الجمعية أن تركز جهودها على المراهقين الذين لم يبدأوا التدخين لأنهم الهدف الأول لشركات السجائر.. وهو بهذا يدلل على اطلاع عميق بما تقوم به شركات صناعة التبغ منذ وقت مبكر، وقد أثبتت الأيام صدق توقعاته حيث كشفت تقارير «صوت الحقيقة» والتي صدرت عن منظمة الصحة العالمية في منتصف التسعينات الميلادية الكثير من مخططات شركات التبغ واستهدافها للصغار والنساء في الدرجة الأولى من عملياتها التسويقية والترويجية.

ترك د. غازي القصيبي الوزارة وترك الجمعية واستمرت الجمعية، ولكن على وتيرة متفاوتة في المكافحة وتولى د. يوسف الحميدان (رحمه الله) أمانة الجمعية منذ تأسيسها وعند وفاته في منتصف 1417هـ شكلت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية مجلساً مؤقتاً كلفت برئاسته وفوجئت بعد عدة أشهر باتصال هاتفي من د. غازي -رحمه الله- من لندن وبعد إطلاعه على تقارير وإصدارات الجمعية.. يبدي دعم ومساندته للجمعية وأهدافها ويذكرني كيف كافح لإنشائها مع جهات الترخيص مطلقاً مداعباته المعهودة، حيث أخبرته الجهة المرخصة بأن الجمعيات الخيرية تعطى أموالاً للمحتاجين، أما جمعية مكافحة التدخين فماذا ستعطي؟.. قال: ستعطي الصحة والعافية للفرد والمجتمع.. وصدق -رحمه الله- فجهود مكافحة التبغ توفر أموالاً طائلة على الحكومات وتخفض معدلات الوفيات المبكرة، وبالتالي تحسين صحة الفرد والمجتمع.. ذلك هو الرجل الهمام الذي لم يتوان في خدمة وطنه وأهله أينما كان موقفه، فهو بعيداً عن أرض الوطن لم يبخل بإسهاماته وجهوده ودعمه يشع فيه أملاً وتفاؤلاً ومشجعاً لمن يشاركه في فعل عمل خير.. تلقيت منه -رحمه الله- قبل عامين خطاب شكر واعتزاز بعد اطلاعه على تقارير ومطبوعات عن مكافحة التبلغ بالمملكة.

بحق جدير أن نقلد هذا العالم الهمام وساماً رفيعاً يشهد له بأنه المكافح (الاستثناء) للتبغ.. فقد أسس لها منذ فترة مبكرة محلياً وخليجياً.. إلا أنها غابت عن التدوين والتوثيق.. وهو مشروع توثيق عن مسيرة مكافحة التبغ بالعالم العربي جاري الإعداد له.

وحسبي أن له أجراً بإقلاع كل مدخن منذ إنشاء الجمعية وله أجر بكل نفس رطبة تمت حمايتها والمحافظة عليها من الموت والمرض بترك التدخين في هذه البلاد المباركة لمبادراته المبكرة في تأسيس وتطوير جهود مكافحة التبغ. رحم الله د. غازي وغفر له وتقبله الكريم في هذا الشهر الكريم.

المدير التنفيذي للمركز العربي لمكافحة التبغ - رئيس مجلس الإدارة السابقة - الجمعية الخيرية لمكافحة التدخين - المشرف العام السابق لبرنامج مكافحة التدخين - وزارة الصحة


aalbedah33@yahoo.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد