Al Jazirah NewsPaper Monday  13/09/2010 G Issue 13864
الأثنين 04 شوال 1431   العدد  13864
 
الحدود الجديدة للصيدلة
سومي داناراجان (*)

 

كان العقد الحالي يشكّل تحدياً هائلاً لصناعة المستحضرات الصيدلانية؛ فمع انتهاء صلاحية أعداد كبيرة من براءات الاختراع نضب معين المنتجات الجديدة، وأصبحت المنافسة المتزايدة من جانب الأدوية غير المحددة الملكية، وباتت قيمة المستحضرات الصيدلانية التي تحمل أسماءً تجارية في نزيف مستمر. وفي الوقت عينه أصبحت الأسواق التقليدية مشبعة. وفي البلدان الصناعية تدفع الحقائق الصارخة، مثل تأثير الشيخوخة السكانية على نماذج الرعاية الصحية القائمة على الضرائب وتمويل أصحاب العمل، الحكومات إلى تبني تدابير تنظيمية تطالب بتسعير العقاقير والمستحضرات الدوائية على نحو أكثر اقتصاداً وشفافية واستناداً إلى القيمة. وفي ظل هذه الظروف تشكّل الأسواق الناشئة جبهة جديدة؛ فبعد أن كانت في الأساس مناطق جذب بسبب انخفاض تكاليف الإنتاج أصبحت البلدان النامية الآن تمثل سوقاً رائجة للشركات المتعددة الجنسيات. وكانت صناعة المستحضرات الصيدلانية تتابع هذا الميل لفترة من الزمن. وتتوقع إحدى الدراسات التي أُجريت مؤخراً أن تتوسع المبيعات إجمالاً بما يعادل 90 مليار دولار أمريكي أثناء الفترة 2009 و2013 في سبعة عشر من البلدان المصنعة للمستحضرات الصيدلانية، بما في ذلك الهند وإندونيسيا وباكستان وتايلاند وفيتنام. ولكن في العديد من البلدان ذات الاقتصاد الناشئ تعيش نسبة كبيرة من السكان في فقر، وما زال هؤلاء الذين يعيشون فوق خط الفقر معرضين لخطر الانزلاق إلى مستنقع الفقر في أوقات الأزمات. وفي هذه البلدان يتم تمويل الرعاية الصحية بشكل شخصي مباشر إلى حد كبير بنسبة قد تصل إلى 60 % في آسيا، ويتحمل عدد كبير من البلدان «عبء الأمراض الثلاثي» المتمثل في انتشار الأمراض «القديمة»، مثل السل والملاريا، وأمراض معدية جديدة مثل الإنفلونزا بأشكالها المختلفة، و»الأوبئة الصامتة» في هيئة أمراض لا تنتقل بالعدوى مثل السكري والسرطان. وتظل التحديات المحيطة بالقدرة على الحصول على الأدوية حرجة للغاية، وترتبط في واقع الأمر بالنموذج التجاري لصناعة المستحضرات الصيدلانية. والواقع أن التوجهات الخيرية في التعامل مع هذه المشكلة نجحت في فرض بعض التغيير على النظام بالكامل. وكان تبرع الشركات بالعقاقير موضع انتقاد؛ لأنه لا يشكل مصدراً مستداماً في أغلب الأحوال. وكثيراً ما تكون الأدوية غير مناسبة للمرضى، أو غير مألوفة بالنسبة للأطباء المحليين، أو غير متوافقة مع التوجيهات السريرية الوطنية، أو اقتربت من تاريخ انتهاء صلاحيتها. ولأن الإمدادات من الأدوية المتبرع بها قد لا يمكن التنبؤ بحجمها وتوقيتها فقد تؤدي إلى خلق حالة من الفوضى في السوق عن طريق منع التقدير الدقيق لكم الاحتياجات فتؤثر بالتالي في التخطيط. وتشتمل الإمدادات المتبرع بها على تأثير سلبي شامل على المنافسة في السوق؛ فحتى الأدوية التي لا تحمل علامات تجارية غير قادرة على منافسة الأدوية المجانية. والواقع أن بيع الأدوية بأسعار مخفضة كان أكثر فعالية، ولو أن تأثيرها محدود بتركيزها على أمراض محددة مشهورة وعلى البلدان الأقل نموا. ولقد طرح المدافعون عن تحسين القدرة على الوصول إلى الأدوية ثلاثة مطالب لصناعة المستحضرات الصيدلانية:

* وضع خطط تسعير تتسم بالشفافية وتعالج بمنهجية التحدي المتمثل في القدرة على تحمل التكاليف.

* الاستثمار في البحث والتطوير في المجالات المتصلة بالأمراض التي تؤثر في البلدان النامية، وفي الأدوية المناسبة للبيئات المفتقرة إلى الموارد (على سبيل المثال: التركيبات المقاومة للحرارة أو العقاقير الثابتة المكونات).

* اتباع توجُّه مرن في التعامل مع حقوق الملكية الفكرية، والاعتراف بالدور الذي تضطلع به الأدوية التي لا تحمل علامات تجارية في خفض أسعار الأدوية إلى حد كبير.

ولقد بدأت الشركات الرائدة في فَهْم الكيفية التي قد يساعد بها دمج التعامل مع هذه المخاوف في الممارسات التجارية في توفير الحل لمشكلة الربحية المستدامة في الأسواق الناشئة. ولا شك أن الاعتماد على النموذج التقليدي الذي يستهدف أهل النخبة أثبت عدم جدواه وقصر نظره؛ فهو يعمل في المقام الأول على الحد من حجم قاعدة المستهلكين. والأهم من ذلك أن اعتماد هذا النموذج على الدفاع الشرس عن براءات الاختراع وهوامش الربح المرتفعة يمنع الشركات من خدمة الأسواق المستهدفة بفعالية من خلال توفير المنتجات المطلوبة ذات الأسعار المعقولة. ويزعم العديد من المحللين أن الحوافز الضارة التي خلقتها النماذج التقليدية تعمل على تثبيت الإبداع والابتكار.

وأخيراً، بدأت حكومات البلدان النامية في وضع الرعاية الصحية على قائمة أولوياتها والسعي إلى تحقيق نتائج فعّالة من حيث التكلفة، فضلاً عن تبني الأساليب الإدارية الفعّالة في التعامل مع أعباء المرض. وفي هذه البلدان أصبح إدراج مسألة القدرة على الحصول على الأدوية في النماذج التجارية الأساسية للشركات يشكّل شرطاً أساسياً للحصول على التراخيص اللازمة لمزاولة العمل.

في نهاية عام 2008 حاولت إحدى الشركات سلوك مسار جديد. فقد كشف الرئيس التنفيذي لشركة جلاكسو سميث كلاين عن خطة من أربع نقاط تتضمن الالتزام بوضع سقف لأسعار الأدوية ذات البراءات المسجلة في البلدان الأقل نمواً بحيث لا تتجاوز نسبة 25 % من الأسعار في البلدان المتقدمة. وفي البلدان ذات الدخول المتوسطة من الممكن أن تعكس الأسعار قدرة كل بلد على تحملها (على سبيل المثال: خفضت شركة جلاكسو سميث كلاين سعر لقاح سرطان عنق الرحم (سيرفاريكس) بنسبة 60 % في الفلبين فحققت زيادة بلغت 14 ضعفاً في حجم المبيعات). كما اقترحت الشركة فضلاً عن ذلك تأسيس مجمع في البلدان الأقل نمواً لعلاج الأمراض الاستوائية المهملة، وتبرعت لهذا المجمع بنحو 13500 من مركبات تصنيع لقاح الملاريا.

وببطء، بدأت شركات أخرى تحذو حذو شركة جلاكسو سميث كلاين؛ فقد أعلنت شركة سانوفي افنتيس مؤخراً أنها سوف تخفض سعر عقار لانتوس لعلاج السكري وسعر عقار تاكسوتير لعلاج السرطان إلى النصف في إندونيسيا والفلبين. أما شركة إيساي اليابانية فقد خفضت سعر عقار آريسبت لعلاج مرض الزهايمر في ستة بلدان آسيوية. وتجري شركات أخرى نماذج جديدة تسعى إلى تعزيز المبيعات؛ فاستعانت شركة نوفارتيس بنموذج يقوم على بيع الأدوية في عبوات أصغر حجماً وأقل سعراً. ولم يتبين بعد ما إذا كانت هذه التوجهات الجديدة قادرة على تحقيق التغيير الشامل المطلوب، وما إذا كانت الشركات تتبنى استراتيجية «خدمة» السوق وليس «الاستيلاء» على السوق، ولكن على الأقل لم تعد مسألة الحصول على الأدوية تشكل قضية منسية، ولا بد من بذل المزيد من الجهود فيما يتصل بعلاج مسألة حقوق الملكية الفكرية (البقرة المقدسة في نظر صناعة المستحضرات الصيدلانية)؛ فلا تزال حكومات البلدان النامية منهمكة في صراع مع شركات المستحضرات الصيدلانية الكبرى فيما يتصل بالترخيص الإلزامي والتشريعات الخاصة ببراءات الاختراع. وهناك تساؤلات خطيرة حول ما إذا كانت حقوق الملكية الفكرية تشكل حقاً حافزاً فعّالاً لتطوير الأدوية والعقاقير، خاصة فيما يتصل بالأدوية المرتبطة بأمراض شائعة في البلدان النامية، وفي ضوء الندرة الحالية لمشاريع البحث والتطوير الخاصة بمثل هذه الأمراض. ويجري حالياً اختبار نماذج جديدة. على سبيل المثال: يسمح مجمع براءات اختراع أدوية الإيدز، في إطار برنامج يونيت ايد التابع للأمم المتحدة، لمنتجي الأدوية التي لا تحمل علامات تجارية بتصنيع نسخ أرخص ثمناً من الأدوية المسجلة من خلال تمكين حاملي براءات الاختراع من ترخيص تكنولوجياتهم في مقابل حقوق الملكية. وفي نهاية المطاف تظل الأدوية التي لا تحمل علامة تجارية بمثابة المرشح الأول الحالي لتوفير الأدوية بأسعار معقولة. ولا شك أن صياغة السياسات الكفيلة بتمكين الأدوية التي لا تحمل علامات تجارية من التنافس مع صناعة المستحضرات الصيدلانية المسجلة سوف يتطلب اتخاذ تدابير إبداعية تؤكد ضرورة تحقيق أقصى قدر من الصحة العامة.

يشغل منصب مستشار في كلية لي كوان يو للسياسة العامة في سنغافورة
*سنغافورة


 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد