Al Jazirah NewsPaper Wednesday  15/09/2010 G Issue 13866
الاربعاء 06 شوال 1431   العدد  13866
 
نبض الخاطر
حق الطريق وثقافة (ابعد عن طريقي!)
محمد المهنا أبا الخيل

 

يعاني من يسلك الطرق السريعة في المملكة العربية السعودية - خصوصاً تلك التي تصل المدن البعيدة ببعضها- من خطورة محتملة يسببها سلوك بعض السائقين، فالسير بسرعة عالية تتجاوز المألوف تفوق (160كم/ ساعة)، والتجاوز ضمن المسار الواحد، حيث يصر المتجاوز على مزاحمة الآخر في مساره لاكتساب المسار، والتجاوز المزدوج حيث تتسابق سيارتان إحداهما تتجاوز من اليسار والأخرى من اليمين، وعادة تكون سرعتهما فائقة، والتجاوز خلسة حيث يعمد المتجاوز إطفاء أنوار سيارته والتجاوز خلسة وبسرعة عالية، والتجاوز الأرعن وهو التجاوز من كتف الطريق الضيق، هذا غير السلوكيات التي تفتقر للحد الأدنى من اللياقة وآداب الطريق، مثل استخدام الأنوار العالية في التأشير لاكتساب حق الطريق دون مراعاة حق الشخص الآخر في السير بأمان، وموازاة السيارات التي بها نساء لاختلاس النظر لهن، وقذف أعقاب السجائر أو علب الماء والعصائر من السيارة خلال سيرها في الطريق.

كنت قادماً من القصيم إلى الرياض، سالكاً الطريق (56) وكما هو سائد التسمية (طريق القصيم السريع )، وعزمت أن اتبع أصول السلامة في مسيري، فربطت حزام الأمان وكذلك كل من معي في السيارة، حتى الجالسون في المقاعد الخلفية، وتوكلت على الله في مسيري، وحيث إن السرعة القصوى المسموحة في الطريق هي (120كم /ساعة) فقد عزمت ألا أتجاوزها، واخترت أن أسير في المسار الأيسر حيث لن يتجاوزني إلا من هو مخالف للسرعة المسموحة، وبالتالي سيكون لي الحق ألا أغير مساري لخدمة المخالفين، ولكن بمجرد دخولي الطريق السريع إذا بعدد كبير من السيارات يصطف خلفي، والكل يؤشر بأنواره العالية بعصبية لي حتى أتخلى عن مساري لهم، ومنهم من تجاوزني من خلال كتف الطريق الأيسر وأبواقهم تصيح احتجاجا، خلال عشر دقائق من دخولي الطريق السريع تخليت عن مساري الأيسر لما عانيته من إزعاج، وبت في المسار الأوسط، وخلال دقائق أخرى أتى خلفي من يؤشر بعصبية لأتخلى عن مساري ولا حيلة لي، فالمسار الأيسر مشغول بسيارات تسير بسرعات عالية والمسار الأيمن مشغول بسيارات شاحنة تسير بسرعات متفاوتة وأنا أريد أن اتبع النظام وأسير بأمان، لم استطع أنا ومن معي في السيارة من الحديث في أي موضوع سوى الاهتمام بمن يتجاوزنا ومن يؤشر لنا وكلهم ساخطون على قيادتي الصحيحة، فبات هم المسير هم الجميع، وتحت هذا الضغط خيل لي أن السرعة على الطرق السريعة ربما تغيرت أو باتت حرة، فليس من المعقول أن أكون أنا الصحيح وكل هؤلاء الناس الساخطين على قيادتي خاطئون، خصوصاً أن الطريق يخلو من لوحات إرشادية تدل على حدود السرعة، لذا قررت أن أتجاوز السرعة التي أظنها صحيحة، وأسير بسرعة أعلى أظنها مناسبة لحال الطريق ومعرفتي به مثل (140كم/ساعة)، وقررت أن أرجع للمسار الأيسر ولكن ذلك لم يخفف من الاصطفاف ورائي والتأشير الغاضب، فانتقلت من المسار الأيسر للمسار الأوسط، ولكن المسار الأوسط هو مسار التجاوز للشاحنات والسائرون بسرعة أقل مني، فبات عليَّ أن أتأرجح بين المسار الأيسر والمسار الأيمن، فأتخلى عن الأيسر عندما يأتي من خلفي من هو أسرع مني وهو يستحثني لترك المسار بعصبية التأشير ولسان حاله يقول «ابعد عن طريقي !!» وأتخلى عن مساري الأوسط عندما يعترضني شاحنة أو سيارة تسير بسرعة أقل مني لاتجاوزها من المسار الأيسر، والانتقال من مسار لآخر يقتضي يقظة خاصة للتأكد من خلو المسار الآخر، وحيث كان الطريق مزدحما في كل مساراته نسبياً لسرعة السيارات، أصبح تأرجحي بين المسارات كثيرا مما أزعجني، فحدثت نفسي «لو زدت سرعتي لحدود أعلى وسلكت المسار الأيسر فسيقل عدد من يريد تجاوزي وارتاح من عملية التأرجح بين المسارات» لذا عزمت على ذلك، وسرت بسرعة جاوزت فيها (160كم/ ساعة) ولم يفدني ذلك كثيراً، فما زال هناك من هو أسرع مني ويريد مني التخلي عن مساري بعصبية أشد، وهناك من هو أقل مني سرعة على المسار نفسه، ولا بد لي أن أتجاوزه وهو ما يقتضي تخليه عن المسار لي، ولكن أخلاقي لا تسمح لي بمضايقته وحثه على الخروج من المسار بالتأشير بالأنوار العالية، لذا اضطر إلى تقليل سرعتي للتناسب مع سرعته ومتى غير مساره تجاوزته بسرعتي العالية، هذا التأدب مني يجعل السيارات المسرعة الأخرى تصطف خلفي وتؤشر أنوارها بعصبية، لذا قررت آخر الأمر أن اقتفي أحد أولئك قليلي الذوق من السائقين والذي يزعج الناس بأنواره ويسير بسرعة عالية على المسار الأيسر فبات يفتح لي الطريق ويكفيني أذى من يأتي خلفي، نعم وصلت الرياض ولكن بقلق وارتفاع ضغط الدم واستلاب لمتعة الراكبين معي، خلال هذه الرحلة المضنية، تذكرت أنني والعائلة قبل شهر رمضان وعندما كنا نقضي إجازتنا في أمريكا سافرنا من سان فرانسيسكو إلى لوس أنجلس مسافة (800كم) على الطريق (101) وهو من أكثر الطرق في أمريكا ازدحاما بالسيارات، وخلال تلك الرحلة التي طالت مدتها (7) ساعات تمتعنا بكل دقيقة فيها، والسبب هو التزام السائقين بأدب الطريق، فكل يسير في حدود السرعة المسموحة ولا أحد يجبر الآخر على تغيير مساره ليتجاوزه فمن يريد التجاوز عليه هو أن يغير المسار.

خلال رحلتي من القصيم للرياض تعرفت على بعض السائقين، فهناك قليل الأدب، وهو من عندما يتجاوز يقلل السرعة ليحاذي السيارة الأخرى ويلتفت ليستكشف النساء، وهناك قليل الذوق، وهو من يصر على تجاوز السيارة الأخرى بإشارات أنواره العصبية، دون أن يعي أن السيارة الأخرى لا تستطيع الانتقال للمسار الآخر لوجود سيارة ثانية تسير فيه. وهناك السائق المعقد نفسياً وهو من لا يحتمل وجود سيارة أمامه دون أن يتجاوزها وعندما يتجاوزها يقلل من سرعته فذلك يحقق له الرضا، وهناك السائق الأحمق وهو من يصر على التجاوز بحشر سيارته في المسار والقرب للسيارة الأخرى ليخرجها من المسار عندما يقلق قائدها، وهناك السائق الأرعن، وهو الذي يؤشر بأنواره العالية من بعيد ليكتسب المسار وعندما يقترب من السيارة الأخرى يتجاوزها بسلوك كتف الطريق المليء بالحجارة الصغيرة فيثير تلك الأحجار والغبار دون مراعاة لسلامته وسلامة الآخرين.

ابتداءً من اليوم وحتى نهاية هذا الأسبوع، سيسلك الطرق السريعة في عموم المملكة آلاف السيارات تحمل العائدين لأعمالهم ومدارسهم بعد الإجازة، جلهم من العوائل من الأطفال والنساء والشيوخ، وآلاف أخرى من الحمقى والمرجوجين عقلاً وفكراً والمتهورين، والذين سيجعلون سفر الآخرين قطعة من جحيم وقلق وربما حوادث مميتة بتصرفاتهم الخاطئة، لذا أرجو من دوريات أمن الطرق كما هي عادتهم، تكثيف الجهود ووضع مراكز حجز لمن يؤذي الناس في الطرق، فيحتجزونهم يوماً أو يومين حتى تمر الناس بسلام. وعلى الناس ألا يغيروا مساراتهم ما دام هم سائرون بسرعة الطريق المحددة، فمن يريد التجاوز عليه هو أن يغير مساره.



mindsbeat@mail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد