Al Jazirah NewsPaper Wednesday  15/09/2010 G Issue 13866
الاربعاء 06 شوال 1431   العدد  13866
 

زوجات وأبناء يُعادون أُسرَهَم!!
د. علي بن محمد الحماد

 

يعتقد غالبية الناس أن الأبناء منحة ربانية، وهبة إلهية، تبتهج بها النفوس، وتقر بها العيون وتحلو بهم الحياة!! وهذا الاعتقاد ليس صحيحاً على إطلاقه، فبعض الأبناء هم عين الشقاء، ومكمن البلاء، ومنبت النكد والداء!!

لذا قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ}!! وإن كان سبب هذه الآية خاصاً، فالقاعدة: (أن العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب!!).

وقال تعالى كذلك: {آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً...} وقد حث النبي - صلى الله عليه وسلم - على السعي لصلاح الأولاد، فقد أوصى الأزواج بحسن اختيار الزوجات الطيبات الصالحات فقال: (اختاروا لنطفيكم فإن العرق دسّاس!!) وقال: (إياكم وخضراء الدَّمَنْ) أي المرأة الحسناء في المنبت السيئ!!

وقال الحكيم في ذلك:

وإذا النساء ولدن في أمية

رضع الصغار جهالة وخمولا!!

الأم مدرسة إذا أعددتها

أعددت شعباً طيب الأعراق!!

فالولد سّر أبيه، ونسخة منه، وأكثر انجذاب الولد لعادات وطبائع أخواله.. قال الناظم النبطي:

الولد وإن طاب طيبه من خواله

سلْ عن الأخوال قبل الوالدينا!!

وقد حَرصَ الأنبياء عليهم السلام على صلاح أبنائهم فكان من دعائهم: (رب هب لي ذرية طيبة، إنك سميع الدعاء) فلم يقل (ذرية) فقط!! بل اشترط الطيب! وقال الآخر: رب هب لي من الصالحين!! اشترط كذلك! وهكذا.

أذكر أحد كبار السن في (المحافظة) كان كثيراً ما يدعو على أبنائه بقوله (الله لا يبقي منهم إلا الصالح) وكان البعض ربما ضحك عليه!! فلما تعلم وأبصر، أدرك أن هذا الدعاء دعاء قرآني صيغ بلسان رجل عامّي!! نشأ على الفطرة السوية!!

قال صلى الله عليه وسلم: (ما نحل والد ولده شيئاً أعظم من أدب يعلمه إياه).. (نَحَل) أي أعطى مثل قوله: وآتوا النساء صدقاتهن نحلة: أي عن طيب قلب وخاطر!!

وقال ابن القيم: أعظم فساد الأبناء من جهة تربية الآباء!! وقال شيخ الإسلام: يجب على الأب أن يؤدب ولده، ولو اضطر للقسوة حيناً، كما هي الحدود شرعت من الله الرءوف الرحيم بخلقه، لكنها أحياناً تكون ضرورة لتأديبيهم وحماية للمجتمع وصوناً لكرامته!!)ا. هـ.

قلت: ولعل ذلك داخل في قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ}.. واللب: أي خلاصة الشيء وجوهره، فهي محنة في طيها منحة، ظاهرها القصاص وباطنها الحياة!!

قسى ويزدجر، ومن يك حازماً

فليقس أحياناً على من يرحم!!

وقد جاء في الأثر: (إن الأبناء مجبنة، مبخلة، مجهلة) أي إن حبك وحرصك عليهم يعرضك لهذه الأدواء!!

وقد جرب في هذا العصر كل دواء للمراقبة الذاتية، فأثبت فشله الذريع!! ولم يفلح إلا إذكاء الوازع الديني لدى الطفل، وعسفهم على الحياء والأخلاق، والمروءة والشيم والقيم!!

إني مُناشدكم يا ذوي البصائر والحجا أليس ثمة فرق كما بين السماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع؟! فرق كما بين مدارج الأفلاك ومسابح الأسماك؟ بين من يمشي مكباً على وجهه، ومن يمشي سوياً على صراط مستقيم؟!

فرق بين شاب صالح وضيء مُطيع لوالده، نافع لمجتمعه، شاكراً لأنعم ربه، اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم!! شاب نشأ في المحاريب وأفنيتها، وحلق الذكر ونفحاتها، يحمل هم أمته، حياً في ضميره، يتألم لألمه، ويفرح لفرحه، ويترح لترحه!! إن رأيناه في المسجد فهو أول الداخلين، وللدراسة فهو أول الفائزين، وإلى ضيوف أهله وزوارهم فهو أول المستقبلين!! شاب يتلألأ الضياء من محياه، ثغره باسم كأنه فلقة قمر. إن نظرت إليه سَرَك!! وإن عاملته لم يضرّك!! وبين ذاك الشاب الذي تربّى في ردهات المراقص ومحاضن الرذيلة، ونوادي العُهر والفحش والمجون!! كَلٌ على مولاه، أين ما يوجهه لا يأت بخير!! لا يسأل عن أحد، ولا يسأل عنه أحد!! نقمة على أهله، وعار على عشيرته، وسُخطة على والديه، وعبء على مجتمعه، بينه وبين الخير والصلاح، والهدى والفلاح كما بين مشارق الأرض ومغاربها!!

عاكف على صنم شهوته، منكب على مخدراته، مبلغه من العلم آخر تقليعات سفلة الفنانين والراقصين!! ومبلغه من الخير كفاية شرّه عن غيره!! إن بَدَتْ له عورة انتهكها، وإن ظهرت له مصلحة انتهبها، لا يأمن جاره بوائقه، غثٌ رتيبٌ كأنه لحم جمل على جبل وعْرََِ ولمَا كان الفرق بين هذين الصنفين، ما لا يخفى على فطرةِ كل ذي عقل سديد، ولبٍ رشيد، كان لزاماً علينا في هذه الأزمنة التي غزتنا فيها وسائل التأثير من كل حدبٍ وصوب، فقذفنا الأعلام من فوهته المسمومة من كل حدبٍ وصوب!! ورمانا عن قوس واحده!! رمانا من بين أيدينا، ومن خلفنا، وعن أيماننا وعن شمائلنا!! أقول لمّا كان ذلك كذلك، كان لزاماً علينا أن نشُد المآزر للتربية الصالحة، ونضاعف الجهد ضعفين على حسب مضاعفة وسائل الإفساد والانحلال!!

فإن أولادنا فلذات أكبادنا، وبهجة قلوبنا، ونزهة أشجارنا، وموطن أشجاننا، أرضنا لهم ذليلة، وسماؤنا لهم ظليلة، نجوع ليشبعوا، ونظمأ ليرتووا، ونسهر ليناموا، ونتنقص ليبتهجوا!!

قال الشاعر:

وإنما أولادنا بيننا

أكبادنا تمشي على الأرض

لو هبت الريح على بعضهم

لامتنعت عيني عن الغمض!!

(إنما أموالكم وأولادكم فتنة!!) والقرآن الكريم لم يتعبدنا صراحة بدعاء لشيء تكون به قرارة العين بمثل ما تعبدنا بالدعاء لصلاح الأولاد قال تعالى: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} ومعنى قرة العين: هو بَرْد مائها، لأنه دليل على السرور والحبور، كما أن حرَ مائها دليل على الحزن والغم!! وقد أجْلبت على بعضهم مؤثرات العصر، فأصبحنا نرى فئاتٌ من شبابنا قد انحطت عقولهم إلى أقدامهم، فتحولوا إلى صور ممسوخة، تحولوا إلى ببغاوات ناطقة، ليس لهم هم أو هدف أو غاية إلا تقمص تقليعات فناني الغرب وساقطيه!!

بل انتكست المفاهيم والفطر فتحولت الفضيلة إلى رذيلة، والرذيلة إلى فضيلة، فصار الحق باطلاً والباطل حقاً، وتفاخروا بالدنايا، وتباهو بالرزايا، ولقد عمل الإعلام فيهم عَملَه، كما توعد إبليس (ذرية آدم): فقال تعالى على لسان إبليس: {لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً}!! 62 الإسراء، قال العلماء: أي لأغدق عليهم الشهوات والشبهات حتى يكونوا عبيداً لنزواتي ونزغاتي، فأقودهم للغواية، وأسوقهم كما يقود الفارس فرسه المحنك فيوجهه بالحبال الموثقة في (حنكة) إلى حيث شاء!!! فهذا معنى (لأحتنكن)!!

وأختم حديثي بقصة من أمرنا الله بالاقتداء به، حيث ضرب لنا أروع الأمثلة في التربية الحسنة، فبر الابن أباه في أسطورة ذهبية ما شهد مثلها التاريخ!! قال تعالى على لسان خليله إبراهيم عليه السلام: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} أي إسماعيل بلغ مبلغ من يسعى مع والده لطلب الرزق، قال: {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ}! قال: يا أبتي (وهي مُشعِرة بالطاعة والبِّر) {افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ}!! قال افعل ما تؤمر: أي ربما كان أمر أكثر من الذبح فقط، {سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} ثم قال: {فَلَمَّا أَسْلَمَا} أي ضجعه على قفاه على غير العادة في الذبح!! لماذا؟ قال: كبّه على وجهه حتى لا يراه فتأخذه الرحمة والشفقة فيتردد في أمر الله!! فهذه ثمرة التربية الحسنة، فهم تربة بقدر ما تضع فيها من السماد والخدمة تؤتي أكلها بإذن ربها!! نسأل الله أن يهب لنا من أبنائنا قرة أعين، دواء لمجتمعهم، غيث منهم، وندعوه لكل مبتلى بالهداية والرشاد ونقول: فيمن تاب قبل الموت: نرجو لكل محسن ثواباً ونخشى على كل مذنب عقاباً.

رياض الخبراء

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد