Friday  15/10/2010 Issue 13896

الجمعة 07 ذو القعدة 1431  العدد  13896

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

كان في المدينة المنورة، سبعة رجال من التابعين، اشتهروا بالعلم والورع، فكانوا يشار إليهم بالبنان، ويتجه إليهم طلبة العلم، ليأخذوا عنهم، وكان لكلّ منهم مذهب في الفقه مستقلّ، سبقوا فيه من عُرِف من العلماء التابعين بعدهم بالفقه، وبعدهم جاءت استقلالية المذهبية في الفقه، كابن عيينة والثوري،

والبصري وغيرهم، ثم جدّت بعدهم استقلالية علمية، في المذاهب الفقهية، كان من البارزين فيها المذاهب الأربعة: أبو حنيفة وابن حنبل، والشافعي ومالك، وفقيه الأندلس ابن حزم.

ويعتبر القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، واحداً من فقهاء المدينة السبعة، المشهورين بعلمهم وورعهم وصدقهم وإخلاصهم.

وهؤلاء السبعة الفقهاء كانوا بالمدينة، في عصر واحد، وعنهم انتشر العلم، واتسعتْ الفتوى في الدنيا، وقد جمعهم بعضهم في بيتين من الشعر فقال:

ألا كلّ من لا يقتدى بأئمة

فقسمته ضيزى عن الحقّ خارجة

فخذهم: عبدالله، عروة قاسم

سعيد سليمان أبو بكر خارجة

وإنما قيل لهم الفقهاء السبعة، وخصّوا بهذه التسمية، لأنّ الفتوى بعد الصحابة، رضوان الله عليهم، صارت إليهم، واشتهروا بها، وقد كان في عهدهم جماعة من التابعين، مثل سالم بن عبدالله بن عمر، رضي الله عنهم وأمثاله، لكنّ الفتوى لم تكن إلا لهؤلاء السبعة، هكذا قال الحافظ السلفيّ.وُلِدَ القاسم بن محمد بالمدينة عام 27هـ، وتوفي بالقُدِيد بين مكة والمدينة حاجاً أو معتمراً عام 107هـ، وقد عمي في آخر زمانه، وقد أثنى عليه العلماء، وزكاه علماء الجرح والتعديل، علماً وصلاحاً، وعبادة وصدقاً.

وكان القاسم بن محمد حريصاً، على أن يطبق الأمور الفقهية، في نفسه فيأخذها النّاس عنه، لأنه ممن كان لا يرضى بتدوين الحديث، ويرى أن الحفظ والتطبيق أمكن، فقد حدّث عنه ربيعة بن أبي عبدالرحمن، أنه لما ضعفَ جداً كان يركب من منزله حتى يأتي مسجد مِنى فينزل عند المسجد، فيمشي من عند المسجد إلى الجمار، فيرميها ماشياً، ثم يرجع إلى المسجد ماشياً، فإذا جاء المسجد ركب، ويعني بالمسجد، مسجد منى، مسجد الخيف.

ورآه محمد بن هلال يحف شاربه جداً، يأخذ منه أخذاً حسناً، كما رآه أفلح بن حُميد، وكما أن قميصه وجبته تجاوز أصابعه بأربع أصابع أو شبراً، أو نحوه.

وكان يخضب رأسه ولحيته بالحناء، ويلبس رداء رقيقاً، وقد دخل عليه عبدالله بن العلاء، وهو في قبة مُعَصْفرة، وتحته فراش معصفر، ومرافق حُمْر فقال له: يا أبا عبدالرحمن هذا مما جئت أسألك عنه، فقال: لا بأس بما أمتهن منه. وعائشة أم المؤمنين هي عمته، وعنها أخذ كثيراً من العلم، فكان القاسم يقولك كانت عائشة رضي الله عنها، قد استقلتْ بالفتوى، في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان، إلى أنْ ماتت، وكنت ملازماً لها مع ترّهاتي، وكنت أجالس البحر ابن العباس، وقد جلست مع أبي هريرة وابن عمر فأكثرت، فكان هناك - يعني ابن عمر - وَرَع وعِلْم جمّ، ووقوف عماً لا علم له به.

ويقول: محمد بن خالد بن الزبير: كنت عند عبدالله بن الزبير، فاستأذن القاسم بن محمد بن أبي بكر، على عبدالله فقال ابن الزبير: أوليس عهده قريباً، فقال القاسم، إني أردت أن أكلمه بحاجة لي؟ قال: إئذن له: فلما دخل عليه قال له ابن الزبير: مهِم» وهي كلمة استفهام، أيْ ماذا تريد؟ قال: لا ليس لكم، هو مولى بني جندح. فولّى القاسم فلما ولى نظر إليه عبدالله بن الزبير، وقال: ما رأيت أبا بكر ولد ولداً، أشبه به منه، من هذا الفتى.

وفقهاء المدينة قد ذكرهم أبو الزناد، سبعة بأسمائهم، كما أنه قد ذكرهم يحيى بن سعيد وقال: إنهم عشرة، ولما سئل عنهم عدّ السبعة الذين ذكر أبو الزناد، وهم سعيد بن المسيب وقال: هو أكبرهم وأفضلهم، وإلا فهم مشيخة فضلاء نظراء، إذ اختلفوا أخذ برأي سعيد ثم عدّ الباقين، وهم عروة بن الزبير وأبوبكر بن عبدالرحمن، والقاسم بن محمد، وعبيدالله بن عبدالله، وخارجه بن زيد، وسليمان بن يسار وقد ذكروا في بيتين مرّا بنا مجملاً.

أما الثلاثة الذين أضافهم يحيى بن سعيد فهم: أبان بن عثمان بن عفان وسالم بن عبدالله، وقبيصة بن ذؤيب رحمهم الله جميعا، وقد كانوا يدافع بعضهم عن بعض، ويذبون عن أعراض المسلمين، أخذاً من الحديث الذي جاء فيه (من ذبّ عن لحم أخيه بالغيبة، كان حقاً على الله أن يعتقه من النار). فقد قال ابن أبي عتيق للقاسم بن محمد يوماً: يا ابن قاتل عثمان، فنضب سعيد بن المسيب رحمه الله، وقال له: أتقول هذا؟ فوالله ما كان القاسم إلا خيركم، وإن أباه محمداً لخيركم، فهو خيركم وابن خيركم.

وعن فقه عائشة رضي الله عنها وعلمها، ومن ترسم خطاها، يقول سفيان بن عيينة: كان أعلم الناس بحديث عائشة، ثلاثة: القاسم بن محمد، وهو ابن أخيها، محمد بن أبي بكر، وعروة بن الزبير وهو ابن أختها أسماء، وهذا من فقهاء المدينة السبعة وعمرة بنت عبدالرحمن وهي من فقيهات النساء الملازمات لعائشة رضي الله عنها.

وسعيد بن المسيب وهو أيضا من فقهاء المدينة السبعة، من أكابر العلماء، والفضلاء الزهاد، كان يقول لمحمد بن علي: إذا أردت أن تتزوج فأخبرني، فإني عالم بأنساب قريش، ويريد في هذا مساعدته في حسن الاختيار، أخذاً من القول المأثور (اختاروا لنطفكم فإن العرق دساس) قال محمد بن علي فخطبت ثم تزوجت بنت القاسم بن محمد، ولم أجد سعيداً لأخبره، ولما بلغه ذلك قال لمحمد بن علي: جاد ما وضع الحسيني نفسه، بمعنى أنك قد وضعت نفسك يا ابن الحسين في موضع جيد، ونسب يعتد به.

والقاسم بن محمد أمّه فارسية، وهي بنت يزدجرد، آخر ملوك الفرس، كان قتيبة بن مسلم الباهلي، أمير خراسان لما تتبع دولة الفرس وقتل فيروز بن يزدجرد المذكور، بعث بابنته إلى الحجاج بن يوسف، وكان يومئذ أمير العراق وخراسان، وقتيبة نائبه بخراسان، فأمسك الحجاج إحدى البنتين لنفسه، وأرسل الأخرى إلى الوليد بن عبدالملك، فأولدها يزيد الناقص، وذكر الزمخشري في كتاب: ربيع الأبرار: أن الصحابة رضي الله عنهم، قالوا: إنّ بنات الملوك لا يعاملن معاملة غيرهن، من بنات السوقة، والقائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

فقيل: كيف الطريق إلى العمل معهن؟ قال: يقومن ومهما بلغ ثمنهن قام به من يختارهن، فقوّمهنّ وأخذهنّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فدفع واحدة لعبدالله بن عمر رضي الله عنهما، وأخرى لولده الحسين، والثالثة لمحمد بن أبي بكر الصديق، وقال ربيعة رضي الله عنهم أجمعين، فأولد عبدالله من أمته ولداً، هو سالم بن عبدالله، وأولد الحسين من أمته ولداً هو علي زين العابدين، وأولد محمد بن أبي بكر من أمته ولده القاسم بن محمد، فهؤلاء الثلاثة بنو خالة أمهاتهم بنت يزدجرد.

وكان أهل المدينة يكرهون اتخاذ أمهات الأولاد، حتى نشأ فيهم هؤلاء الثلاثة: سالم بن عبدالله، وعلي زين العابدين ابن الحسين، والقاسم بن محمد، ففاقوا أهل المدينة: فقهاً وورعاً فرُغبَ في السراري.

ومع علم هؤلاء الثلاثة وفضلهم، فقد كان كلّ منهم براً بوالدته، حريصاً على أداء حق الأمومة، الذي أمر الله به، ومن ذلك ما يروى عن علي زين العابدين، أنه كان كثير البر بأمه حتى قيل له: إنّك أبرّ الناس بأمك، ولن نراك تأكل معها، في صحفة؟ قالك أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت عينها إليه، فأكون قد عققتها. وعن علمه وحسن أدبه، قال محمد بن اسحاق: جاء رجل إلى محمد بن القاسم فقال: أنت أعلم أم سالم؟ فقال: ذلك مبارك سالم، قال ابن اسحاق في هذا الجواب: كره أن يقول هو أعلم مني فيكذب، أو يقول: أنا أعلم فيزكي نفسه. وكان القاسم أعلمهما. وكان دقيق الملاحظة، سمع رجلاً مرة يقولك ما أجرأ فلاناً على الله، فقال له القاسم بن محمد: إن ابن آدم أهون وأضعف، ممن يكون جريئاً على الله، ولكن قلْ: ما أقل معرفته بالله.ونظر القاسم إلى رجل يسأل الناس، يوم عرفة بعرفة، فقال له: ويحك يا سائل، أتسأل في هذا اليوم غير الله عز وجل.يقول سفيان: اجتمع قوم يوماً إلى القاسم بن محمد، في صدقة، قسمها، وكان القاسم يصلي وهو عنده، فجعلوا يتكلمون. فقال ابنه: إنكم اجتمعتم إلى رجل والله ما نال منها درهماً، ولا دانقاً، قال سفيان: لقد صدق ابنه ولكن القاسم أراد تأديبه، فأوجز في صلاته، ثم قال: قل يا بني: فيما علمت. وكان عفيفاً لا يأخذ حتى من أقرب الناس شيئاً. قد توفي في قُديد، وقال كفّنوني في ثيابي التي كنت أصلي فيها هكذا كفّن أبو بكر في ثلاثة أثواب، والحيّ أحوج إلى الجديد من الميت.

 

رجال صدقوا : القاسم بن محمد
د. محمد بن سعد الشويعر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة