لم يترك الخطاب الملكي - مؤخراً - أية ثغرة، للاجتهاد حول خطورة ما حدث جراء فاجعة سيول محافظة جدة، وإحالة جميع المتهمين لهذه الكارثة إلى هيئة الرقابة والتحقيق وهيئة التحقيق والادعاء العام، استناداً للمواد:
(24ـ 27ـ 28) من نظام الإجراءات الجزائية؛ مما يشعرنا أننا أمام مرحلة تاريخية ومفصلية في آن واحد، لتفعيل المساءلة الشرعية والقانونية لحالات الفساد الإداري والمالي، وإحداث أنظمة إصلاحية في ظل تسجيل قصور ملحوظ في تفعيل أنظمة الرقابة على أجهزة الدولة.
لقد علمنا - خادم الحرمين الشريفين - بصفة شخصية دعمه لكافة الأجهزة الرقابية؛ للارتقاء بالإصلاحات التي تتبناها الدولة. ولذا فإن عملية التصحيح الوارد في الخطاب الملكي، والذي اتصف بلغة الملاحقة والمتابعة، سيتفرع إلى عدة أقسام، منها: ما يتعلق بالتحقيقات المرتبطة بالمال العام، وستتولى أعماله هيئة الرقابة والتحقيق. ومنها: إخضاع أسماء لمزيد من التحقيق معها، وسيتولى أعماله هيئة التحقيق والادعاء العام. ومنها: إخضاع أسماء لارتكابها مخالفات لا علاقة لها بكارثة السيول، وإحالتهم إلى الجهات المختصة. مما يؤكد على إعادة البوصلة إلى اتجاهها الصحيح، وصياغة فكر إداري جديد، وعدم السماح للفساد أن يتنقل مرة أخرى إلى أجهزة الدولة.
إدراج فقرة: (أن تقوم وزارة الداخلية بإدراج جرائم الفساد المالي والإداري، ضمن الجرائم التي لا يشملها العفو الوارد في ضوء التعليمات والأوامر والتنظيمات بمكافحة الفساد) هي لفتة مهمة، ذلك أن ظاهرة الفساد المالي والإداري، أصبحت من الظواهر الخطيرة التي تواجه بلادنا، وتنخر في مجتمعنا. فلا يكاد يمر يوم إلا ونقرأ عن جريمة إساءة استعمال السلطة الوظيفية، أو استغلال النفوذ الوظيفي، أو اختلاس، أو رشوة، أو تزوير، فتحول الفساد - الإداري والمالي - إلى أسلوب عيش، وكأننا لا نستطيع أن نعيش بدونه. - ولاشك - أن هذا مؤشر خطير يهدد مجتمعنا، ويضر بمبدأ العدالة الاجتماعية. كما أنه آفة تقف عائقاً في وجه التنمية المستدامة.
إن مكافحة الفساد - الإداري والمالي - أمر ممكن، ولا يكون ذلك إلا بالقضاء على أسبابه ومبرراته، وتشخيص الأسباب المؤدية إلى تفشيه بهذه السرعة. كما أن مكافحته من القضايا المهمة، التي تندرج في قضايا الإصلاح في كل زمان ومكان. ومن جانب آخر، فإنه لا بد من الاستعداد النفسي لمحاربة هذه الظواهر المقيتة، وإذكاء الوعي في منعها، والتعاطي معها بالجدية المطلوبة. وبهذه الثقافة فقط سنستطيع محاربة الفساد، لنصبح على وطن بلا فساد، وسنقول للفساد: قد انتهى عهدك، وأفل نجمك.
drsasq@gmail.com