Al Jazirah NewsPaper Tuesday  15/06/2010 G Issue 13774
الثلاثاء 03 رجب 1431   العدد  13774
 
الشاعرة هيلدا إسماعيل لـ «الجزيرة»:
أحبُّ فقط أن أقيم علاقة حميمة مع لغتي وقصائدي

 

حوار:عبدالحفيظ الشمري

تطل الشاعر هيلدا إسماعيل بعد كل غياب وهجر وسفر بإضمامة شعر جميل .. تحيي فيه قراءها وتابعي تجربتها، وتذكي في الذات جمرة الحنين إلى السفر والشعر من جديد، فهاهي الشاعرة توقع ديوانها «ولا .. أشهى»مستلهمة نص البياض بينها وبين الإنسان الذي تجد فيه بعض قصائدها.

بين السفر والشعر والحنين إلى الجمال تتوزع تجربة الشاعرة هيلدا إسماعيل لتغرد ما وسعها الحب بترانيم الشعر الذي يصطبغ عادة بصور البهاء العفوي والبحث عن مفردة تؤصل للمعاناة التي تسكن أعماقها.

حول جملة من القضايا حول رحلتها الشعرية كان لنا هذا الحوار مع الشاعرة هيلدا إسماعيل وهاكم فاتحة الأسئلة إليها:

في البدء .. كيف ترين وقع حضور ديوانك الجديد (ولا.. أشهى)؟.

- إذا أردنا أن نعرف فيما إذا كنَّا جيدين، جميلين مناسبين، وأذكياء..فعلينا أن نقوم بتسويات متواصلة مع الأشخاص الذين نعتمد عليهم، ومشكلتي أنني لا أجيد هذا النوع من التواصل لاعتبارات وانشغالات كثيرة، كل ما أعرفه أن (ولا.. أشهى) حظي بقراءات منشورة عديدة خاصة على المستوى العربي ويعتبر قياساً لوفرة الإصدارات ذا صدى أجمل بكثيرٍ مما توقعت.

شعر هيلدا إسماعيل يميل عادة إلى الومض، والإيماء.. ما سر الافتتان بهذا النوع من الكتابة؟.

- أحببت مفردة (افتتان) لأنها تجيب على سؤالك بشكل جوهري وحميم، فالقصائد القديمة تقوم على مقاطع صغيرة سهلة الحفظ مستقلة وسط القصيدة الأكبر، ولذا كان من السهل أن ترسخ في الذاكرة، وهذا ما أحاول أن أفعله نثراً بالمعنى المكتمل، كأن أرتكبُ مسودات صغيرة ومتتالية كالبرق، نابضة وسريعة أنجزها بشكل منفصل فيسهل تداولها من جهة، وتحقق المعنى الذي يخالجني من جهة أخرى دون قيود وزنٍ وقافية، كما يمكنك أن تضيف: بأن ليس للفتنة أسباب منطقية. أحبُّ فقط أن أقيم علاقة حميمة مع لغتي لا يعترضها حتى المنطق، أصنع منها شباكاً، سحراً، وعطراً يجيد فنون الإغواء والقراءة، لهذا تجد مفرداتي متشيطنة، ضوضائية، تغامر أحياناً بكسر العلاقة الكلاسيكية حتى بين الدال والمدلول.

سؤال حول الديوان أيضاً.. قصائدك تحمل شعوراً قوياً بالغربة واللوعة والألم.. لماذا؟

- من نفسي.. أسخر كثيراً، والسخرية كما يقول محمد الماغوط هي ذروة الألم، بصراحة لا يمكن لي أن أتعامل مع الشعر باحتراس وإتيكيت وأرستقراطية وخوف، لن أكله بالشوكة والسكين مثلاً، لأنني إن لم أمارس القصائد بأصابعي العشرة وألعق حوافها لن أشبع. أحب أن أكون أنا.. وإن بدوت ملتاعة ومتألمة ومغتربة.

إجابتك على السؤال السابق تقودنا سؤال آخر .. ما الذي قدمه لكِ الشعر؟ وهل فتنته الخفية هي من قادتك للبوح الجمالي اللاعج؟

- كثيراً من أشيائي الأخرى سطحية أو قد أعتبرها شكلا من أشكال الترف المعنوي، لكن الشعر هو عِمادي، العضو الأكثر حيوية في حياتي. هو ما يجعل مني قادرة على الحب، الغناء، الرقص، الجنون. ببساطة الشعر بقدر ما تهبه يعطيك.

أ. هيلدا .. هل أنصف النقد مشرعك الشعري؟ وهل تصافيت مع النقاد؟

- لم يحدث يوماً أن تخاصمت مع النقاد حتى أتصافى معهم، على العكس هم منذ البدء أنصفوني بالقراءة، وساعدني على ذلك انتشاري عن طريق الإنترنت، نحن كجيلٍ إلكتروني عرفنا جيداً كيف نتعامل مع هذه التقنية ونحترف النصوص. حتى قبل أن أكتب باسمي الحقيقي. ولا أظنني سأنسى أبداً أن كل عملية إبداعية تحلق بجناحين، يكون النص جناحها الأول والنقد هو مكملها، وبمجرد أن يلتفت النقاد إلى منجرٍ شعري فهذا يعني أن هذا المنجز يحتوي على ما يحرض وما يثير الخطاب النقدي، لهذا أعتبر نفسي محظوظة وقابلة للحسد.

إلى أي مدى خدمت الشاعرة هيلدا إسماعيل قضية المرأة من خلال شعرها المفعم بالوعي؟.

- امرأة أنا وأزعم أن ما أكتبه لابدَّ أنه قد مسَّ قلب وإحساس إحداهن يوماً, لا أرغب في شحنات إضافية تثقل لغتي، ولا حمولات لقضايا واستعارات ثقافية وإشكالية ترهق نبض قصيدتي، كما لا أنوي إقامة علاقة إشكالية، نضالية، حقوقية، أو أن أفتعل ما يشبه الضجيج النسوي من أجل عدم الامتثال للوصايا الذكورية، الكتابة هي الشيء الوحيد الذي أفعله من أجلي في هذه الحياة، و (أن أكتب من أجلي) فهو هدف لن أستغني عنه ولن أستخدمه في الاحتجاج على تهميشنا أو الدفاع عن وجودنا بطريقة غير منصفة، فلو حاولت كل امرأة أن تكون هي دون هاجس الآخر.. حتماً سيكون هذا أكثر إنتاجاً وتميّزاً. عليها ببساطة أن تتيح لنفسها الفرصة للحصول على مكانة ترضاها، وأن لا تنتظر من أحد أن يمنحها ما تتمنى، إن الانتظار الذي قد نمارسه لكي نحصل على التفاتة ما، لا يساوي مطلقاً أكثر من خيانة لذواتنا. يمكنني أن أعترف بأنني أنانية أنا في الشعر، لا أعني به إلاَّ نفسي حتى وإن توهمت أو حلمت.

هناك من يقول أن الشعر العربي حالم .. وخيالي مجنح، ومجرد وعود.. متى يكون الشعر واقعياً يفصح عن حقيقية؟

- هذه مقولة غير صحيحة، من يتبناها ينظر إلى جانب ضئيل من المنجز الشعري العربي، فالقراءة التحليلية التاريخية لديوان العرب تفصح عن اشتغالات متنوعة وموضوعات مختلفة لا تقتصر على التعاطي مع الشعر كمادة حلمية فقط. ومن ذلك الحماسة والمديح والغزل القصصي الوعظي الملحمي. وأي قراءة منصفة ستقف عند أسماء وأصوات متورطة في كافة أشكال هذا القول الشعري.

هل تقرين بتداخل الأجناس الأدبية؛ شعراً وسرداً وخاطرة؟

- الإنسان مرآة كلية لقصيدة تعكس داخلها عدة أحاسيس ومشاعر متفاوتة، متضاربة، متناسقة، محمومة، ظاهرة، أو باطنة، ولهذا نعم.. أعتقد بتكامل الفنون لا بتصارعها ولا بوجود سور صين عظيم بين لون إبداعي وآخر.

* ما هي الأسماء الشعرية التي لفتت انتباهك في الماضي والحاضر.. وهل تأثرت بأحدها؟

- ليس إنساناً ذلك الذي لا يتأثر بما يقرأه، نشأتُ على أيدي عدد كبير من الشعراء الذين أحببتهم، ولكنه لم يحدث كثيراً أن منجزا كاملاً أعجبني وأشعل حرائقي حتى النهاية، إنما لا أنكر بأنني مغرمة في الوقت الحالي ببعض الشعراء أمثال نبيلة الزبير، عماد أبوصالح، سوزان عليوان، وديع سعادة، وأظنني سأظل مغرمة بهم للأبد.

أيهما الذي يحقق معادلة النجاح .. شاعر يستدعي التراث، وآخر يلتقط الخطاب الجديد، وثالث يزاوج بينهما؟

- مؤمنة بما قاله «والت ويتمان» في هذا الشأن حين أعلن بأن الفنان ينبغي أن يتصفح الماضي باحترام وتوقير، ثم يدعه جانباً، كدعوة منه لأن يكون الفنان شيئاً فريداً، جديداً ولافتاً، صدقاً تزعجني الانقلابات الداخلية على كل ما هو كلاسكي أو قديم، و لا يعجبني بعض الحداثيين الذين يتنصَّلون من الماضي ويرفسونه. وفي نفس الوقت لا أحتمل القوالب المكررة التي قدٍّسناها زمناً ومازلنا شكلاً ومعنىً ، بينما مازال البعض يسعى في تقليدها لدرجة ماسخة ورتيبة.

أين تضعين التجربة الشعرية المحلية في السياق الشعري العربي حالياً؟.

- لسنا في المقدمة على أي حال. هذا لا ينفي وجود نماذج مشرفة ولافتة سواء على مستوى القصيدة العمودية أو التفعيلة أو النثر، ولكنه ليس على تلك الدرجة من الإبهار.

هناك من يقول إن الشعر خسر رهانه الإبداعي على الحداثة بعد معركة نصف قرن.. هل يمكن لنا الجزم بذلك؟

- إن اقتنعنا أولا أن الحداثة أمر داخلي قبل أن يكون شيئًا خارجًا عن أرواحنا وأجسادنا.. لأصبحنا مؤمنين بأنها ليست عدواً علينا محاربته، إن اقتنعنا بذلكَ فقط (رغم شكوكي بحدوث شيء يجمعنا).. سيكون للقصيدة العربية مستقبل يتحدّث عن نفسه.. لا ينفي الماضي لكنه يصرّ على أن يبني عليه، يكون ذاته، مدافعاً عن تميّزه، مختلفاً وقادراً على مجاراة كائن كالإبداع لا يتوقف عن الطموح، والرغبة في حجز مساحة أدبية لافتة في التاريخ، وإن لم تكن هذه المساحة فاتنة فتأكَّد بأنها قد كررت نفسها كثيرًا في الماضي.. وهذا الشيء الوحيد الذي يتعارض مع الحداثة.. ولا دخل للثوابت بهذه الألاعيب.

سأختم مقولاتي بمقطع شعري أحيي فيه القراء:

-ناصعٌ- أينما كنت

حين تُمطرُ..

فساتيني كلُّها

تتْبَعكَ

أمَّا عيناكَ..

فسبقتاكَ إلى السماءِ

وذات المطرِ..

أعادَهُما إليَّ

صرتُ أُلاحقه

-ظلَّكَ- الذي..

توقَّف عن اللحاق بي

كيفَ..

أغلقْتَ السماءَ وراءَكَ !!

وكاملاً..

رحلت؟!

بلْ

مالذي يجعلُ

وحدَكَ يموتُ..

و

و

و

وحدَكَ ..

من يبقى !!





 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد