Saturday  01/01/2011/2011 Issue 13974

السبت 26 محرم 1432  العدد  13974

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

وجهات نظر

 

فن المرونة
فوزي صادق *

رجوع

 

كعادتي كل صباح، وقبل أن أشرب كوب القهوة السوداء بدون سكر، قلبّت الرزنامة (التقويم) الموجودة على طاولتي، لتطوى صفحة يوم من حياتي، فإذا بعيني تلقط حكمة اليوم الموجودة أسفل الصفحة أوتوماتيكيا بمقولة عظيمة تقول: (أتق شر من أحسنت إليه)، إنها مقولة شهيرة للإمام علي بن أبي طالب- رضي الله عنه - تواترتها الكتب وتناقلتها الألسن على مر الأجيال بهذا السياق، وهذا ما يعرفه معظم الناس، لكن مع الأسف المقولة مبتورة وهذا ما يعرفه إلا ما ندر من الناس! فالصحيح هو:

(اتق شر من أحسنت إليه بالإحسان إليه).

أي نعم.. فحري بنا أن نبلغ درجة الكمال في (إعطاء الإحسان) من الإنسان لأخيه الإنسان.. في شتى جوانب الحياة، سواء الاجتماعية أو الروتينية أو العملية أو العلمية.. حوار كان أو غيره، وأن نتقي شر من نحسن إليه أثناء حياتنا ومجادلاتنا، يوما بيوم، وثانية بثانية.. قريب لنا أو بعيد.. (حتى مع أنفسنا)، ولنجعل هذه الحكمة منطلقا مهما لحياتنا نحن البشر.. فكلنا خطاؤون، وينقصنا ثقافة مهمة وحيوية لنعيش بسعادة وسلام.. ألا وهي ثقافة (فن المرونة)، وهذا هو مربط الفرس! كما يقال بالعامية، وأن تكون سالكة ودارجة بين طبقات المجتمع (أفقياً أو عمودياً) ومهما اختلفت الألمعية عن الكادحة! وحتى بين المجتمع وباقي المجتمعات الأخرى.. والمقصود هنا بالمجتمع، من يجتمع معك في الرأي أو الاعتقاد، وألا ننسى المجتمعات التي سبقتنا واندثرت، فيجب أن نكن لفكرهم الاحترام، وأن نكون عقلاء وأمناء، وذوي مرونة مع أنفسنا خلال مراجعتنا ومقارنتنا لفكرهم وفكرنا.

لقد أمرنا الإسلام بالحوار المرن اللبق والهادف بقصد الفائدة المتبادلة (وجادلهم بالتي هي أحسن)، والذي يعتمد أساساً على احترام رأي الآخرين بدون (الإقصاء أو الإنقاص) في مقامهم ومكانتهم، ومهما نقص أو تدنى من يحاورك ويجادلك، فلا تنظر إلى نقاط الاختلاف، بل انظر إلى نقاط الالتقاء، ومهما قل عددها.. فربما اختلفت معه في المسألة واحد واثنين وثلاثة، فربما تتفق معه في المسألة أربعة وخمسة وستة وهكذا سيدي.. وأن رأي الآخرين يحتمل الصواب، وإظهار أن رأينا يحتمل الخطأ، وبدون تعصب أو تعسر في الفهم، (والأهم من المهم نفسه) أ لا ينوي أو يهدف إحدى الطرفين بحضوره إقناع الآخر برأيه.. (لا!.. فهذا عين الخطأ)، وليكن الهدف عرض وافتراش كل شخص ما لديه أمام عقل الآخر، فإن رضي به فخير، وإن لم يفعل، فليبق الاحترام موجودا بيننا. بتلك المرونة ستكون الحوارات هادفة ومفيدة، وسوف تصلنا إلى مبتغانا، ومهما أغاظك الطرف الآخر، لا تقف أو تحكم وأنت عند نقطة الغضب، ولا تتربع فوق قمة الفوز خيالاً (كرد فعل).

سيدي القارئ الكريم.. بادر باستمرارية العطاء والجدال من خلال الثغرات الطيبة والحسنة التي ستجدها وتتفق فيها مع الطرف الآخر، فلربما فزت برضاه وتقبله لطرحك وهو مقتنع، وهنا نبلغ درجة الكمال واتقاء شر من نحسن إليه، ومهما فهم بعضهم إن هذا هو التصعر، أي إنزال المقام والخضوع لغيره كما يفهمه بعضهم خطأ من الآية الشريفة (ولا تصعر خدك للناس).

هل المحاور المرن يترك أثراً إيجابياً في نفسك، ويؤثر على نفسيتك؟

هل جربت المرونة في استمرارية الحوار حتى لو ساء إليك الطرف الآخر؟

هل تتحكم في عواطفك أثناء الحوار وتبتعد عن المحسوبية الشخصية؟

هل المرونة الحوارية تنجح مع العقول التي تواجهك في هذا الزمان، سواء في الواقع اليومي أو في نقاشات الإنترنت؟

لقد قال لي أحد الأجانب، بعد أن قلت له: إنني أتكلم عن الحوار المرن، سوف أقول لك شيئا بس ما تزعل!

بادرته (نحن في دائرة حرية الرأي)، فقال: نحن الغربيون أفضل منكم أنتم أيها المسلمون في إدارة الحوار، والسبب أنكم تدخلون المصالح الشخصية والمذهبية في عمق الحوار!.. فالهدف من الحوار، هو عرض وجهات النظر المتباينة، وإن لم ! فلن يصبح حواراً بالأصل، بل (تحصيل حاصل)، لأن أطراف الحوار إذا كانوا يتحدثون باتجاه واحد ولا وجود للاختلاف بينهم في وجهات النظر لم يكن ذلك حواراً.. وهذا يعني أنه لا بد من وجود وجهتي نظر مختلفتين وأن لكل وجهة نظر فريقاً يدعمها ويدافع عنها ويتحمس لها بل ويسعى إلى تفنيد وجهة النظر الأخرى ضمن أصول وقواعد الحوار المتعارف عليها ويأتي في مقدمتها الاحترام المتبادل بين الطرفين المتحاورين.

وما نشاهده اليوم على الكثير من القنوات الفضائية من صراخ وشجار وهرطقة (خذوهم بالصوت) في البرامج الحوارية المعروفة لا يمكن أن يرقى إلى مرتبة الحوار الهادف بل هو في حقيقته شجار لا يمت للحوار المثمر بأي صلة، وينبغي أن نربأ بأنفسنا عن مثل هذه الممارسات والصور غير الحضارية.. وإن الذين يتكسبون من وراء المشاركة في مثل هذه البرامج الحوارية إنما يسيئون إلى أنفسهم وإلى الأجهزة التي ينتمون إليها، ولا يمثلون طبقة المثقفين المتحضرين في إدارة الحوار المثمر الواعي.. فلا بد أن يعاد النظر في مثل هذه النوعية من البرامج وفي كيفية تأهيل كوادرها وأن نعيد النظر في قبولنا لها كمستمعين ومشاهدين لنبتعد عن الغوغائية ونرتقي بأسلوبنا في الحوار حتى نتهيأ لقبول الرأي الآخر والرأي المعاكس ونحاورهما ونحترمهما وننتقدهما علمياً.

ومما سمعت في حوار جرى بين اثنين أن أحدهما قال للآخر: هل لك في الحوار؟ فقال: (على عشرة شروط: أن لا تغضب، ولا تعجب، ولا تشغب، ولا تحكم، ولا تقبل على غيري وأنا أكلمك، ولا تجعل الدعوى دليلاً، ولا تجوز لنفسك تأويل آية على مذهبك، إلا جوزت لي تأويل مثلها على مذهبي، وعلى أن تؤثر التصادق، وتنقاد للتعارف، وعلى أن كلا منا يبغي من مناظرته أن يكون الحق ضالته والرشد غايته).

أليست هذه قواعد ذهبية للحوار تغنينا عما سواها، ترى لو أننا التزمنا بهذه القواعد هل سيبقى هناك من يخاف أن يدلي برأيه؟ هل سيبقى هناك من يخاف الحوار ويخشاه؟ هل سيبقى بيننا وفينا من يداهن ويتملق ويستميت من أجل تشويه صورة الحوار من أجل الحصول على مكاسب ومطامع شخصية؟ أما أنا فأجزم وبقوة وقناعة شخصية إن سار الحوار بتلك الشروط، لن يجد هؤلاء مكانا بيننا (أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).

هل تتمنى أخي وأختي القارئة أن تكون كل الألوان أصفر أو أزرق أو أخضر.. إذا فلنقل سوية: (ما أجمل قوس قزح)..

* روائي وباحث -

alholool@msn.com
 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة