Sunday  02/01/2011/2011 Issue 13975

الأحد 27 محرم 1432  العدد  13975

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

لم يكن وارداً أن أعقب على «الحوار» الطويل، الذي أجرته صحيفة «عكاظ» مع الدكتور عبدالعزيز الخضيري - وكيل إمارة منطقة مكة المكرمة - ونشرته في رابع أيام عيد الفطر المبارك.. رغم عناوينه اللافتة والمثيرة وربما البعيدة عن صلب الحوار، التي يُسأل عنها «المحاور» بأكثر مما يُسأل عنها

ضيف الحوار أو نجمه، فقد جرى الحوار في معظمه حول ما اتخذ من «إجراءات» جادة، و»متابعات» صارمة من قِبَل مسؤولي الإمارة والتابعين لها.. لضمان تسهيل وإنجاح «موسم العمرة» في شهر رمضان الكريم، الذي عادة ما تشهد مكة فيه.. ازدحاماً غير عادي، يبلغ حد الاختناق داخل الحرم.. أحياناً، طلباً لثواب العمرة في أيامه ولياليه الفضيلة.. وهي إجراءات ومتابعات حتى وإن تضايق البعض منها.. إلا أنها كانت موضع سعادة ورضا كبار المسؤولين.. بل وأكثرية المواطنين والمقيمين بحد سواء، ولذلك فقد كانت جديرة ب»الحوار» حولها والحديث عنها والإشادة بها وبمن أنجزوها، وقد فعل الدكتور الخضيري كل ذلك على أكمل وجه وإن خالطت نغمة الزهو بعض كلماته.. كقوله (نحن نقدر ونعتز بالمسؤول الذي يعتذر عن عمل لا يطيق تنفيذه، فلو جاءنا وقال لا أستطيع التنفيذ بهذا الشكل فسنشكره ونبحث عن بديله)!؟، إلى أن جاء حديثه في ختام «الحوار».. عن العشوائيات في منطقة مكة المكرمة إجمالاً (التي تتجاوز 100 حي في مكة وجدة)!!

وبصرف النظر عن الدقة في هذا «الرقم» من عدمه.. فإنه يعكس انطباعاً إجمالياً بأن «مكة» و»جدة»، وهما من عرائس مدن المملكة تخوضان.. في بحار من الأحياء «العشوائية»، التي لا بد من تطويرها أو إزالتها على وجه السرعة والدقة عن طريق القطاع الخاص وشركاته ك»شركة البلد الأمين» في مكة (التي ستعمل على تنفيذ الكثير من المشاريع، وستخرجنا هذه الشركة من شرنقة المصدر والتمويل الواحد).. كما قال، وهو أمر أدهشني إلى أبعد حدود الدهشة.. ف»المصدر الواحد» هو الذي أقام هذه التوسعات الضخمة التي شهدها الحرم المكي، وهو الذي موَّل مشروع جسر الجمرات، ف «قطار المشاعر» وغيرها من قبل ومن بعد.. وهو ما يعني وبالقياس نفسه بقية الشركات الأخرى وفي مقدمتها شركة «تطوير الرويس العالمية».. في جدة، وقد أضاف قائلاً في هذا الشأن: (والحقيقة أن ثمة من يصعِّب هذا الأمر، ويكثر فيه الخوض إما من جهل أو ممن لهم مصالح خاصة)..!، ثم ألحقه بقوله: (العمل يقع علينا كمسؤولين تنفيذيين ولكن نجد أحياناً تخاذلاً من البعض، وما أتمناه من المسؤولين التنفيذيين العمل بكل جدية وعدم التخاذل فهناك أياد تحاول تقليل الهمم وتزرع الإحباط بيننا لمصالح خاصة لديهم، وهذه أقنعة مزيفة تساقط بعضهم وكُشفت ملامحهم وستلحق بهم الشرذمة المتبقية).. وهو ما كان يستدعيني للتعقيب على الدكتور الخضيري وتقديم وجهة نظر مقابلة في موضوع «العشوائيات» إجمالاً و»الرويس» تخصيصاً، خاصة وأنه كان لي رأي مغاير.. طرحته مراراً في العديد من المنتديات.. ثم كتبته ونشرته فيما بعد في صحيفتنا هذه وفي صحيفة «البلاد»، ولكن.. وكما يقال في أمثالنا بأن (لكل مقام مقال)، فإنه يضاف إلى ذلك في عالم الصحافة.. بأن «لكل مقال توقيت»، ولم يكن توقيت (الرابع من شوال) ملائماً آنذاك للتعقيب.. لأن منطقة مكة المكرمة وبعد الانتهاء من «موسم العمرة».. كانت تستعد للموسم الأكبر: «موسم الحج».. وإنجاحه وسط ظروف عالمية غير خالية من القلق والتوترات، فكان الوقت «بعد» عيد الفطر المبارك ليس وقت تعقيبات وجدل أو اختلافات في الرأي.. بل وقت عمل وسعي، موصول ليله بنهاره.. من قِبَل كل أجهزة المملكة وليس من قِبَل أجهزة مكة المكرمة وحدها، وإن كانت في مقدمتها، وعلى رأسها بحكم الموقع والمكان.

* * *

بعد أن انتهى موسم الحج.. بنجاحه الكبير الذي كان موضع حديث الناس وإعجابهم في الداخل والخارج.. سبقتني صحيفة «عكاظ» نفسها في (22-12-1431ه) ليس ب»التعقيب» المباشر على ما جاء في الحوار مع الدكتور الخضيري.. ولكن ب «استطلاع» ل «آراء» سكان الرويس حول مشروع تطوير «حيّهم» الذي تسعى للقيام به (شركة تطوير الرويس العالمية) - المشاركة فيها (أمانة مدينة جدة) -، فكان أن قال معظمهم لمحرر «الاستطلاع».. الصحفي الأستاذ عارف الشهري (إنهم لن يسلموا صكوك منازلهم لشركة جدة للتطوير العمراني، ضمن خطوات نزع العقارات لصالح مشروع تطوير المنطقة المركزية)، وهو تعبير.. يخص المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة إلا أنهم يعنون به - فيما يلوح - وسط المدينة.. أو (الداون تاون) كما هو مسماه عالمياً، وحجة هؤلاء هو (عدم وضوح آلية نزع الملكيات، وعدم موافقتهم على أسعار التثمين المتداولة)، بينما قال له آخرون بأنهم (ليسوا ضد التطوير ولكنهم ضد جهلهم بآلية بنود نزع الملكية)، وثنى آخر.. قائلاً: (ليس هناك آلية واضحة لنزع الملكيات، فكيف نسلم الصكوك ولم يبت في التثمين بعد)، وقال «ثالث» من السكان (لن يكون تطوير الحي على حساب السكان البسطاء، ونأمل أن تكون الشفافية عنوان المشروع، فليس من المعقول أن لا تكون هناك لقاءات بالأهالي توضح آلية نزع الملكيات وتجيب عن استفسارات السكان)، وقال رابع منهم (لا يوجد في الحي سوى مكتب صغير في طرفه، يعمل على جمع الصكوك، وإذا حاول الأهالي الاستفسار عن أي شيء فإن الإجابة تكون واحدة: حان موعد تسليم الصكوك وفي وقت لاحق سيكون التثمين)، وقال آخرهم (إن حي الرويس أكثر تنظيماً من غيره من الأحياء).. وهو ما يعني أنه ليس حياً عشوائياً بالقدر الذي يتوجب معه البدء به قبل سواه من الأحياء المتفق على عشوائيتها حقاً بين أهالي وسكان جدة عموماً ك»حي الكورنتينة» أو «الصوايخ» أو «بترومين» أو «كيلو ستة» على سبيل المثال.

ثم سبقني بعد ذلك في «التعقيب» غير المباشر على حوار الدكتور «الخضيري» الزميل العزيز الدكتور سعيد السريحي.. عندما كتب بعد نشر «الاستطلاع» بأيام في عموده اليومي (..والرأي لكم) رداً تهكمياً على أحد منسوبي الشركة (حين وصف أهالي الحي بأنهم أميون وغير متعلمين، وذلك لعدم مسارعتهم في تسليم وثائق منازلهم)، فاستنكر عليه عمدة الحي - الشيخ طلال العمرو العسيري - قوله.. موضحاً له ولغيره أن (الحي قد ساهم في تخريج أطباء ومهندسين وإداريين يحملون الشهادات العليا)، ليتولى الدكتور السريحي بعد ذلك، وبأسلوب ساخر لا أروع ولا أجمل منه.. (شرح) الأسباب التي جعلت ذلك المنسوب للشركة يتهم سكان الحي ب»الأمية» وعدم التعليم.. عندما قال: (أهالي الرويس أميون وغير متعلمين لأنهم يعرفون الفرق بين إعادة تأهيل الأحياء العشوائية بتنظيمها وفتح الشوارع فيها وإزالة ما هو غير نظامي من مبانيها.. وأن يتم تقويض حي بأكمله وترحيل سكانه بحجة أنه عشوائي لإقامة مشروع ربحي استثماري على أنقاضه)..!

وأكمل..قائلاً: (أهالي الرويس أميون وغير متعلمين، لأنهم يدركون الفرق بين: إزالة مبنى أو حي من أجل بناء منشأة حكومية عامة يستفيد منها المواطنون الذين يقيمون حولها أو المواطنون في كافة أرجاء الوطن.. وإزالة حي بأكمله من أجل مشروع ربحي استثماري بحت لم يكن له أن يختار منطقة الرويس لولا موقعها الاستراتيجي الذي تدرك الشركة أنه الأساس الذي سوف تتحقق لها الربحية من خلاله)..!

ثم أضاف بأن هؤلاء الأميين غير المتعلمين (يدركون أن نظام نزع الملكيات لا ينطبق إلا على ما تتوجب إزالته من أجل منشأة حكومية، أما حين يتعلق الأمر بمنشأة اقتصادية.. فإن المسألة تخضع عندئذ لقوانين السوق وأنظمة البيع والشراء ومعايير العرض والطلب)؟

ثم اختتم الدكتور السريحي مقاله.. بجدية لا سخرية فيها عندما قال: (وأهالي الرويس أميون غير متعلمين لأنهم يطالبون بالوضوح والشفافية حين يتعلق الأمر بتعويضهم عن أملاكهم، وحين يتعلق الأمر بموعد محدد لاستلام هذه التعويضات، وهم يدركون أن هذه الحقوق والتعويضات لا يمكن أن تختصر في تصريحات عابرة أو توجيهات بتسليم وثائق منازلهم والانتظار إلى أن «يحلها حلال»)..؟

* * *

لقد كان في «استطلاع» الصحفي خالد الشهري، وفي «مقال» الدكتور سعيد السريحي الجريء والجميل.. ما يكفي للتعقيب إجمالاً بصورة مباشرة أو غير مباشرة على «حوار» الدكتور الخضيري حول العشوائيات، وإسناد حلولها لشركات التطوير العمراني، وهو ما يسقط عني - بالتالي - مهمة التعقيب عليه.. لولا أن هناك نقاطاً لم يتعرض لها «استطلاع» الشهري أو «مقال» الدكتور السريحي.. نظراً لاختلاف سياقهما أو قصدهما، وبما أوجب بعدهما عن تلك النقاط التي استوقفتني في حوار الدكتور الخضيري.. والتي كان «أولها»: إشارته إلى أن الأحياء العشوائية تمثل (النقطة السوداء التي لا بد من إزالتها)، وهو أمر لا يختلف عليه اثنان.. رغم وجود هذه الأحياء العشوائية أو النقاط السوداء في أمهات المدن وكبريات العواصم، فليست كل أحياء مدينة «لوس أنجيلوس» كحي «بيفرلي هيلز»، وليست جميع أحياء «لندن» كحي «الماي فير»، كما أنه ليست كل أحياء «بيروت».. كحي الحمراء، إلا أن الاختلاف يكمن في أسلوب معالجة تلك الأحياء العشوائية أو النقاط السوداء: أيكون عن طريق أمانات المدن ومجالسها ودون الإضرار بحقوق سكانها؟ أم يكون عن طريق نزع ملكياتها وتسليمها - خالصة - لشركات التطوير العمراني..؟

و»ثانيها».. رؤيته (المدهشة..!) حول الشركات المطورة باعتبارها «المخرج» والمنقذ (من شرنقة المصدر والتمويل الواحد)!! وهو تصور لم تأخذ به أي من مدن المملكة في معالجة أحيائها العشوائية.. أو إزالة النقاط السوداء العالقة بثوبها الناصع البياض..!!

و»ثالثها».. تعريضه - على هذا النحو - بأصحاب الآراء المغايرة أو المخالفة لرأيه.. بأنهم أصحاب (مصالح خاصة لديهم، وهذه أقنعة مزيفة.. تساقط بعضهم، وكُشفت ملامحهم، وستلحق بهم الشرذمة المتبقية)، فلم يكن ليتفق كل هذا التوصيف القاسي والمبالغ فيه مع من يخالفوننا الرأي ونحن أصحاب دعوة للحوار وتقبل الرأي الآخر، على أن الذي يساوي ذلك في الأهمية.. هو أن هذا التوصيف لم يكن متوقعاً أن يأتي من رجل علم ومعرفة في مكانة ومكان الدكتور عبدالعزيز الخضيري.

 

تعقيب في أوانه على حوار الدكتور الخضيري
د. عبد الله سليمان مناع

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة