Monday  03/01/2011/2011 Issue 13976

الأثنين 28 محرم 1432  العدد  13976

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الأخيــرة

      

في بداية عام 2010 المنصرم نشرت جريدة الديلي تيليغراف عدة شكاوى من بريطانيين يتذمرون من المهاجرين الأجانب (بولنديون، روس، كروات، عرب، هنود إلى آخره) الذين يدفعون بأنفسهم في الطوابير إلى الأمام بطرق احتيالية وطرحت الموضوع للنقاش. أحد الاستنتاجات كان أن المهاجرين الأجانب قدموا إلى بريطانيا من بلدان فقيرة حيث تكون الطريقة الوحيدة للحصول على حصة ما من المواد الشحيحة هي أن تدفع بنفسك بالقوة والحيلة إلى الأمام. البريطانيون مهووسون بالانتظام في طوابير ويدعون أنهم أصلا هم من اخترع الطابور، لذلك قامت وزارة الهجرة البريطانية بإدخال بعض الأسئلة عن الانتظام في الطابور إلى استمارات طلب الحصول على الجنسية البريطانية.

في أغسطس 2010 نشر الكاتب الهندي الأصل آناند جيريد هاوس مقالاً عن اكتساب حضارة الطابور في الهند مع انتشار العولمة. من بعض ما قال ملاحظته أن الهنود حينما يبدو الطابور طويلا أمامهم تنمو له فروع من الجوانب. شخص ما من خارج الطابور الطويل يقترب بهدوء ويقف بجانب، لنقل، الشخص السابع في الطابور الأصلي الطويل آملا أن يلحق به آخرون، وهذا غالبا ما يحصل. بعد دقائق يتحول ما كان في البداية طابوراً مستقيماً إلى شجرة طوابير لها عدة فروع.

ثقافة الالتزام بالطابور الأصلي لا تنبت من فراغ. الناس ينتظمون في الطابور ويكتسبون أدبيات الطابور فقط عندما تكون الخدمة المقبلين عليها جيدة وسريعة والبضاعة (أو التذاكر أو رقم الدخول على الطبيب مثلا) كافية والوقت أيضا كاف ومضمون لخدمة الجميع ولا يتصرف فيه الموظف أو البائع أو المسئول على هواه. دعونا نعكس الموضوع هكذا: إذا كانت الخدمة سيئة وبطيئة (أو بالواسطة والرشوة)، والبضاعة أو الشيء المطلوب الحصول عليه من الطابور كان شحيحا، والوقت محدودا ويستطيع الموظف أو البائع أو المسئول التصرف به على هواه، حينئذ لن يلتزم الناس بأدبيات الطابور ولن تترسخ هذه الأدبيات في المجتمع. حينئذ يكون المستفيد الوحيد من فوضى الطوابير هو اقتصاد العولمة، حيث تسارع الشركات الكبرى إلى الانتشار وتقديم الخدمات الاستهلاكية في فروع كثيرة لتبيع أكثر وتحصل على عوائد مادية أكبر لعلمها أن المتسوقين كلما رأوا طابورا طويلا أمام فرع هربوا إلى الفرع الآخر. هذا الانتشار الأفقي في الخدمات الاستهلاكية ليس له ما يقابله في الخدمات العامة التي تقدمها الدولة لمواطنيها إلا فيما ندر.

إذا تمركزت مباني الخدمات العامة في أماكن محدودة ومزدحمة وكانت إمكانيات تقديم الخدمة المطلوبة بطيئة ومضروبة ومحكومة بساعات الدوام الرسمي، والموظف لكيع ونفعي ويلعب بالوقت على هواه. حينئذ قل على الطابور السلام. مهلاً، ليس على الطابور فقط بل قل السلام أيضا على نوعية الخدمات وعلى أعصاب المراجعين وعلى أدبيات التعامل في كل مكان.

حينما افتتحت شركة ماكدونالدز أول فرع لها في هونغ كونغ عام 1975م أزعجها صراخ الصينيين وتدافعهم فوق بعضهم وتلويحهم بالفلوس للبائع من فوق الرؤوس فقامت بتوظيف شباب وشابات بأجور معقولة مهماتهم فقط تنظيم المشترين وإلزامهم بالطابور الأصلي. سرعان ما فهم الصينيون بشطارتهم التجارية والعملية أن مفهوم الطابور جزء من ثقافة النجاح والعولمة فأصبحت طوابيرهم أنظم وأفضل من طوابير أساتذتهم الذين علموهم الطابور.

الآن أنظر قبل دخولك إلى المسجد في أي بلد إسلامي إلى السيارات في الخارج والأحذية عند الأبواب وإلى تدافع المصلين في دخولهم وعند خروجهم من المساجد، ثم اقرأ الفاتحة على ثقافة الالتزام بالطابور في بلاد المسلمين. تقولون لماذا ضرب المثل بالمساجد؟. لأن الصلاة هي أعظم مثل يعلم الناس الاصطفاف والالتزام والهدوء، ومع ذلك لم يتعلم المسلمون النظام من خلالها. يا أخي امسك الطابور جزاك الله خير.



 

إلى الأمام
الطابور لو سمحت
د. جاسر عبدالله الحربش

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة