Wednesday  05/01/2011/2011 Issue 13978

الاربعاء 01 صفر 1432  العدد  13978

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

حضرتُ مؤخراً نقاشاً مثيراً بين عدد من الشباب حول علاقة أمريكا ما بعد 11 سبتمبر بالتحولات الجارية في المنطقة، ووجدتُ أنهم يقسمونها إلى مسارين رئيسيين: مسار الحرب، ومسار التحالفات, ويفرعون هذين المسارين الرئيسيين إلى مسارين آخرين غير جانبيين.

فتحت مسار الحرب يأتي مسار التفكيك والتفتيت والمحو من الخارطة السياسية، وقد جاءت الترجمة الميدانية لهذين المسارين السياميين (مسار الحرب ومسار التفكيك والتفتيت والمحو) منذ اللحظة الأولى التي شنت فيها الإدارة الأمريكية حربها العسكرية تحت شعار ما سمته بالحرب على الإرهاب بدخول جيشها إلى أفغانستان وإسقاط نظام طالبان حتى اللحظة التي قامت فيها باحتلال العراق الذي ذهبت فيه إلى ما هو أبعد من إسقاط النظام فيه بتفكيك دولة العراق وتفتيت بنيته الاجتماعية.

أما تحت مسار التحالفات، بحسب نقاش الشباب, فيأتي مسار اختبار الولاءات. وقد أقامت إدارة الولايات المتحدة الأمريكية المسار الأخير على شرطين لازمين: الشرط الأول من هذين الشرطين هو شرط الشراكة مع أمريكا في الحرب على الإرهاب وإن اقتضى الأمر محاربته نيابة عنها أو معها على أن تتفرد هي بتعريفه وتحديد شخوصه وأشباحه معاً وجدوله الزمني. الشرط الثاني هو شرط الإصلاح الداخلي لتلك المجتمعات والأنظمة التي رأت أمريكا أن بقاءها على الحال الذي أنتج حالة التطرف والعداء بما كان من مخرجاته أحداث الحادي عشر من سبتمبر قد لا يصب فقط في استمرار ذلك الموقف بل قد يوسعه ويعمق قدرته على إلحاق الأذى بمصالحها. على أن هذين الشرطين قد يجتمعان أو يُكتفى بواحد منهما؛ فتحديد ذلك يعتمد على طبيعة النظام أو الأنظمة السياسية التي تقع على مسار التحالف الأمريكي بعد أن نجت بالكاد من الوقوع على مسار المحو. وإذا كان من أوضح تجارب الإدارة الأمريكية في تطبيق الشرط الأول من المسار الثاني ينطبق على دولة الباكستان فإن الشرطَيْن الأول والثاني معاً من مسار التحالفات ينطبق على علاقة أمريكا بالسواد الأعظم مع دول العالم العربي، وتحديداً دول مجلس التعاون بحسب قربها أو بعدها، ليس فقط عن شبهة الإرهاب، ولكن أيضا بحسب قربها أو بعدها من المدار الأمريكي تاريخياً على مستوى اقتصادي وسياسي وفي أوقات التوترات والأزمات. وكذلك بحسب طبيعة نظام كل منها في علاقته بقواه الاجتماعية وبمواقفها المتباينة من أمريكا أو من العلاقة معها.

إلا أنه عند هذه النقطة من نقاش الشباب المشار إليه برقت شرارة السؤال عن نوع التحولات المقترحة على المنطقة، وهل يراد بها إصلاحٌ أم يراد بها خلق إدارات برجماتية قادرة على إدارة العلاقة مع أمريكا وعلى الدوران في فلك هيمنتها على المنطقة بتحييد أي من قواها الاجتماعية الداخلية أو جميعها ممن قد يعارض تلك العلاقة أو يعرضها لأي هزات كما فعلت أحداث سبتمبر دون أن يشترط في ذلك أي تغيير أو إصلاح حقيقي على مستوى وطني بما يمس المسلَّمات التي تقوم عليها تلك الأنظمة المطالبة بالإصلاح؛ حيث لا يكون المطلوب من حلفاء المسار الثاني من المسارات المفصلة أعلاه أكثر من شهادة حسن سيرة وسلوك للشعوب وشهادة كفاءة وخبرة للأنظمة بقدرتها على ضبط الموقف أو المواقف بما لا يخل بالعلاقة التاريخية المستتبة التي ربطت بين أمريكا ودول الخليج خلافاً لعلاقتها المتوترة تاريخياً مع دول أخرى أقرب إليها من حبل الوريد مثل جوارها بأمريكا اللاتينية.

غير أن أهمية هذا السؤال الذي أثير في نقاش الشباب لا تكمن برأيي في الإجابة عنه بحد ذاته؛ فإجابته إلى حد بعيد واضحة للعيان, لكن أهمية طرح السؤال تنبع بادئاً بذي بدء في قدرته على تعرية حالة الشك التي يعشها العالم العربي ودول المنطقة ككل، وتحديداً منطقة الخليج تجاه أي من بوادر التغيير والإصلاح التي تجترحها الأنظمة وإن بتردد وعلى استحياء حتى وإن كانت تلك البوادر ليست إلا قشة من حزمة التغيرات والإصلاحات المستحقة التي كانت ولا تزال مطلباً دائماً لمجتمعاتها وقواها الوطنية قبل ولادة من اتهموا بحادث الحادي عشر من سبتمبر. فمساءلة الأجندات الأجنبية في تحولات أي مجتمع خاصة إذا كان من مجتمعات المنطقة التي تربط بينها وبين أصحاب تلك الأجندات علاقة معقدة وليست على الدرجة المرجوة من التوازن على مستوى تكافؤ القوى والقدرة على الاستقلال مساءلة مشروعة إلا أنه لا يجب الانشغال بها لدرجة أن يشلنا إما الخوف منها أو الأمل في بركاتها عن التفكير والعمل على جميع الجبهات الداخلية التي نقف عليها لوضع أجندة وطنية مشتركة بيننا وبيننا، أي بتكاتف كل أطياف المجتمع بالتحولات والإصلاحات التي نحتاج، والتي نريد، بما فيها تصحيح العلاقة بمن هو بميزان العلم والقوة أقوى منا في هذه اللحظة.

وفي هذا فهناك فارق بين تشكيك وسواسي يجعلنا نقف مجرد متفرجين على تلك الانفراجات الصغيرة التي قد تقدمها هذه الدولة أو تلك أياً كانت دوافعها بما يفسح المجال لملء مقاعد العمل فيها لحفنة من الانتهازيين المستعدين عادة للعمل حسب اتجاهات الريح دون تساؤل, وبين شك نقدي يقظ يملك فطنة السؤال ولكنه أيضاً يملك القدرة على المشاركة بشروطه أو لا يعدم شرف محاولة ذلك، كما يملك البصيرة لاقتراح بدائل خارج خيار الجمود أو المزايدة والتطاحن أو السير في ركب الغير، بما يعد قليلاً من كثير واجب المواطنة والضمير. وهذا الموقف بطبيعة الحال لن يكون إلا مطلباً من باب أضغاث الأحلام إذا لم ترَ الدولة، أي دولة، في شراكة المجتمع وفتح الباب لها بضمانات وآليات فعالة مكمن قوة لئلا تكون مطمعاً للاستفراد بها أو الاستقواء على بلدانها.

 

هل من بدائل وطنية نخرج بها على الجمود أو المزايدات ونواجه بها أجندات الغير؟
د. فوزية عبدالله أبو خالد

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة