Wednesday  05/01/2011/2011 Issue 13978

الاربعاء 01 صفر 1432  العدد  13978

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

أخبر النبي صلى الله عليه وسلم صحابته بأنهم سيفتحون مصر؛ وأوصاهم بأهلها خيراً، كما في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنكم ستفتحون مصر؛ وهي أرض يسمى فيها القيراط، فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها فإن لهم ذمة ورحماً» أو قال «ذمة وصهراً» والقيراط: جزء من أجزاء الدرهم والدينار كان أهل مصر يستعملونه زمن الفتح. والذمة: الحرمة والحق. والرحم: لكون هاجر أم إسماعيل منهم. أما الصهر: فلكون مارية القبطية أم إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم، منهم...

إن التفجيرات الأخيرة التي هزت قلب مصر الحبيبة حينما استهدفت كنيسة القديسين في شارع خليل حمادة في الاسكندرية ليلة السبت المتزامنة مع الاحتفال بعيد رأس السنة الميلادية وخلفت ضحايا أبرياء هزت قلوب المسلمين عامة، وكان هناك تصريحان: أحدهما تصريح جبهة علماء الأزهر وجاء فيه: «لقد رُوِّعت جبهة علماء الأزهر مع من روِّعوا من الغيارى الصادقين بالحادث الأليم، والاعتداء الآثم الذي فاق ضحاياه عشرين قتيلا». ورأت أن الحادث «يستوجب الاستنفار له خاصة إذا تذرع المجرمون فيه بالدين وتستروا به». والآخر تصريح البابا شنودة الثالث، بطريرك الأقباط الآرثوذوكس بمصر والعالم «أن الذين يستهدفون أمن مصر هم أعداء للمسيحيين والمسلمين على السواء، وهم لا يريدون خيرًا لهذا البلد ويسعون إلى إثارة الفتنة على أراضيه».

إن الدين الإسلامي كان خير ملجأ للمسيحيين من التسلط والإقصاء، وهناك نصوص كثيرة تؤكد على احترام النصارى وكنائسهم ودور عبادتهم، وقد وقف عدد من العلماء في وجه النصوص التي فسرت تفسيرا لايليق برحمة الدين وعدالته مع أهل الذمة، وبخاصة التفسير الخاص بقوله تعالى {حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}، وكذلك وجهات نظر بعض الفقهاء التي تتعلق بأحكام أهل الذمة من إجبارهم على لبس ألوان معينة أو طريقة ركوب مختلفة لدوابهم، أو صفع الذمي على قفاه حينما يقدم الجزية فضلا عن خضوعهم وتذللهم، وكل هذا لا يتفق مع ما فعله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم باليهود والنصارى في المجتمع المدني الذي كانوا أحد أقطابه والوثيقة التي تمثل العقد الاجتماعي الصحيح للتعايش، لأن الهدف من معاملة أهل الذمة المعاملة الحسنة هو ترغيبهم في الدخول في دين الله أفواجا دون تسويغ لتفسيرات واجتهادات لبعض ولاة المسلمين وعلمائهم تخالف المنهج النبوي الإنساني الرحيم... وخير ما يؤكد ذلك قول فيكتور سحاب في كتابه (من يحمي المسيحيين العرب) ص26 فصاعدا: «لا شك أن المسيحيين المخضرمين الذي عاصروا الفتح الإسلامي هم أكثر من لمس الأمر بوضوح، إذ انتقلوا فجأة من سلطان دولة كانت تضطهدهم اضطهاداً وصفه بعض المؤرخين العصريين في أوروبا بأنه لا يشبه حتى أعمال البهائم، إلى سلطان دولة حافظت لهم على أديارهم وبيعهم، كما خيرتهم بين اعتناق الإسلام، والبقاء على دينهم بشرط الدخول في ذمة المسلمين، أي بشرط الانضمام إلى دولة الإسلام ورفض القتال مع أعدائها، وكان (ألكيروس الكنيسة المصرية) متخفياً في الصحاري هربا من المذابح البيزنطية. فلما جاء الفتح الإسلامي عادت الكنيسة المصرية إلى حرّيّتها الكاملة علناً،ولقدكان في الإسلام متسع للنصارى لم يكن متاحاً لهم شيء منه في دولة بيزنطية. وتمتعت المذاهب المسيحية العربية على اختلافها بعد ظهور الإسلام؛ بالحرية التي كانت تقاتل من أجلها تحت حكم بيزنطة، ووقت كانت جميع الدول لا ترضى بدين آخر داخل تخومها». وعندما جمع هرقل جيشاً ضخماً لمواجهة المسلمين كتب أبو عبيدة إلى عمال المدن المفتوحة في الشام يأمرهم برد ما جبوه من الجزية من أهلها وكتب إلى الناس: «إنما رددنا عليكم أموالكم لأنه بلغنا ما جمع لنا من الجموع وأنكم اشترطتم أن نمنعكم ونحن لا نقدر على ذلك الآن وقد رددنا ما أخذنا منكم».

هناك مواقف من نصارى العرب تسجل بمداد الذهب فضلا عن جهودهم في خدمة القرآن والسنة واللغة العربية وفنونها، مواقف وطنية مملوءة بالتضحية من أجل أرض المسلمين والدفاع عنهم وعن قضاياهم في أروقة المجتمع الدولي ولا أدل على ذلك من موقف فارس الخولي أمام فرنسا حينما ادعت أنه استعمرت سوريا من أجل نصارى الشام، فقام في عصبة الأمم وصرخ فيهم أنا مسيحي وجئتكم مندوبا عن وطني سوريا، أحدثكم باسم الملايين من المسلمين فيها، هذا ادعاء ولم نطلب منك المساعدة فارحلوا عن وطننا، ولا يمكن أيضا أن تنسى الجماهير الشاعر الكبير خليل حاوي النصراني الذي انتحر احتجاجا على اجتياح اسرائيل للبنان عام 1982م، وأما في مصر فلن تنسى حكاية جول جمال، وهو اسم يجهله العديد من الأجيال المعاصرة، وقد أطلق اسمه على شارع في منطقة الدقي بمحافظة الجيزة، وكالعادة وراء اسم كل شارع في مصر توجد حكاية، وحكاية جول يمتزج فيها الواقع بالخيال، جول شاب مسيحي من سوريا نال في مايو 1956 شهادة البكالوريوس في الدراسات البحرية وكان ترتيبه الأول على الدفعة ليصير ملازما، وفي شهر يوليو من العام نفسه فوجئ العالم كله بقرار الرئيس جمال عبد الناصر بتأميم شركة قناة السويس وبدأت عاصفة العدوان الثلاثي (انجلترا وفرنسا والدولة الحديثة المزروعة في قلب الوطن العربي.. إسرائيل)، لم يرحل الشاب المسيحي الملازم جول وبقية أفراد البعثة السورية من مصر بعد التخرج في تلك الفترة لأن مصر استوردت زوارق طوربيد حديثة وقد رأت الحكومة السورية في ذلك الوقت أنه من الأفضل أن يتم تدريب ضباطها على تلك الزوارق الحديثة.

في ليلة 4 نوفمبر تحديدا في منتصف الليل التقط الملازم المسيحي جول وأقرانه بثا فرنسيا للسفينة الحربية جان بارت العملاقة، أول سفينة مزودة برادار في العالم، وكانت مهمتها عندما تصل بالقرب من شاطئ بورسعيد أ ن تدمر ما تبقى من المدينة.. طلب من قائده جلال الدسوقي أن يخرج في الدورية ورفض بحكم أنه أجنبي وصرخ فيه نحن في معركة ولا فرق بين مصر وسوريا يا جلال... سمح له بعد إلحاح مع ثلاثة زوارق لمقابلة المدمرة التي أنهكتهم حتى انطلق الملازم جول بطربيده وقسم المدمرة إلى نصفين... مات جول جمال بعيدا عن أهله تاركا خطيبته التي عاشت طوال عمرها ترفض الزواج وتصر على أن تنادى «بمدام جول»... والله من وراء القصد.

abnthani@hotmail.com
 

لا تَنْسَيْ (جُول جَمَال) يَا مِصْر!!!
د. عبدالله بن ثاني

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة