Wednesday  05/01/2011/2011 Issue 13978

الاربعاء 01 صفر 1432  العدد  13978

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الأخيــرة

      

فجأة تجد نفسك قد قفزت في الهواء ثم خبطت بالأرض لأنك في سيارتك لم تلاحظ نتوءاً حاد الزوايا، يسمونه مطب اصطناعي، في الشارع الواسع. تدرك حينئذ أنك وقعت في فخ أحد ما خبيث الطوية يريد لك أن تمر بهذه التجربة للتشفي منك. تلعن في سرك بطريقة عشوائية ثم تستغفر الله. في الأوطان الأخرى توجد عندهم أيضاً مثل هذه المطبات لكن قبل وليس أمام المستشفيات والمدارس ومعابر التلاميذ والمعوقين، وليس بقصد الاستدراج المموه ولكن بهدف التحذير من السرعة والتهور قبل إيذاء نفسك والآخرين. بناء على هذه الرغبة يعمدون إلى تلوين ذلك النتوء أو المطب بلون فاقع مختلف عن لون الأسفلت لكي تستطيع مشاهدته عن بعد قبل أن ترتكب ما يشكل خطراً على الآخرين وعليك.

عندنا حفظكم الله يموهون ولا يحذرون. أولاً يبنون المطب عالياً ثم منحدراً بشكل فتاك ويقدمونه لك بطريقة تمويهية فنية متناغمة مع لون الشارع بحيث لا تلتقطه عين الصقر الحائم. إذن الغرض هناك في أوطان الآخرين من المطب هو - مع افتراض حسن النية - التحذير قبل ارتكاب الغلط، أما هنا فهو التمويه والاستدراج لارتكاب الخطأ أولاً ثم التأديب عليه مع افتراض سوء النية.

مثال المطب وأهدافه وعواقبه ليس موضوع الكتابة. الموضوع هذا محاولة فهم العقلية الاستدراجية التمويهية المحلية. في كل القوانين، السماوية منها والوضعية يرتبط العقاب بارتكاب الخطأ إما عن قصد أو غير قصد أو بسبب الإهمال بالصدفة المحضة ويحدد مقدار العقاب حسب نوع الخطأ بناء على ذلك. يشترط القانون أيضاً توفر التحذير المفهوم والواضح قبل ارتكاب الخطأ مربوطاً بظرفه لثني الناس عن فعل الخطأ قبل ارتكابه حماية لهم من بعضهم ومن أنفسهم. الهدف تقليص نسبة ارتكاب الخطأ إلى أقل حد ممكن. الردع عن ارتكاب الخطأ هو الهدف وليس العقاب إذا كانت الأمور تسير بالمنطق وبمقاييس العدالة.

خذوا مثلاً آخر، ولنقل طريق التطبيق لنظام ساهر. لوحات تحديد السرعة إن وجدت لا يكتشفها السائق إلا بعد عبوره، وكاميرات الضبط مخبأة في أماكن جانبية بمنتهى الدهاء. الهدف من ذلك يكاد يكون واضحاً.. التمويه والاستدراج لتطبيق العقوبة المالية. يستطيع السائق هنا أن يستنتج أن الهدف ليس التحذير من السرعة كوقاية بقدر ما هو الجباية وتغطية تكاليف النظام مع تحقيق بعض الفائض لوزارة المالية. في الدول الأخرى يكتبون لك تكراراً ما معناه انتبه، أمامك نقطة مراقبة، أمامك رادار، أمامك كاميرا، رجاء خفف السرعة.

هاكم أمثلة أخرى. البلدية تتركك تتعب وتخسر وتبني ثم تأتي متأخرة وتهدم ما بنيت لأنك لم تتقيد باللوائح والأنظمة. البلدية تتركك أيضاً تبني في أرض أصدرت هي فسحها وختمت عليه، ثم تكتشف أنك بنيت في مجرى السيل حين تجرف الأمطار كل ما بنيت. المستشفى الخاص يتركك تراكم التكاليف أثناء التنويم دون إعطائك أي إشعار مسبق بما وصلت إليه الفاتورة، وفي يوم الخروج تكتشف هول المبلغ وأنك لا تستطيع التسديد بالكامل فيتم حجزك في المستشفى ومنعك من الخروج حتى تسدد أو تأتي لهم بكفيل.

هذه مجرد أمثلة قليلة على عقلية الاستدراج والتمويه لكي يقع الخطأ فتحل العقوبة، وهي عقلية غير عادلة ويندر وجود مثلها في إتقان فنون التمويه والاستدراج.







 

إلى الأمام
عقلية التمويه بدل التحذير للاستدراج إلى العقاب
د. جاسر عبد الله الحربش

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة