Thursday  06/01/2011/2011 Issue 13979

الخميس 02 صفر 1432  العدد  13979

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

      

في المدينة المنورة، هناك، حيث أنزلت تشريعات الله في الأرض، ووضعت الحدود بين ما للإنسان عند أخيه، وما لأخيه عنده، وكان من الطبيعي أن يُلزم كل راع بمن يرعاه، ومن أولئك الرعاة الأطباء... فالطب علم، وهو خلق أيضاً، والطب معرفة، وأمانة أيضاً،..

ومعرفة حق المريض، جزء من معارف الطبيب بدينه، وتشريعاته في شأن الأمانة، تلك التي تقتضي مزج العلم بالداء بالمناسب له من الدواء، ولا يتقابلان في توازٍ ما لم يكن الطبيب على معرفة كاملة بالجزاءات، حين الإتقان، وبالعقوبات حين التفريط...

وفي ذلك جرت، أو هكذا أتوقع تفاصيل اللقاء، وقد كان المشاركون من نخب العلم الشرعي، والعلم الطبي والمهني، وفيهم المسؤولون عن قنوات الرعاية والتنفيذ..

وقد كثرت الأخطاء الطبية، ولم تكن في الدول المتقدمة تحدث إن قيل بذلك، تيمّناً بما جرت عليه عادة العرب، من الاقتداء حذو القذة بهم في كل أمر، ذلك لأن طبيباً لا يتمكن من تطبيق علمه، كما جرت المنهجية، قبل أن يمر بقنوات عديدة تمكِّنه من التصريح بمزاولة المهنة، إلا ما ندر ضمن كل ما يندر من مفاجآت في مجتمعاتهم... وعليه تسير أمور الطب عندنا...

ولمهنة الطب قوانينها، وهي تتضمن مسؤولية الطبيب عن المريض مسؤولية كاملة، وإن حدث ففرّط فيها تهاوناً، أو تقاعساً، أو تقصيراً، - ولا يتوقع جهلاً - فالعقوبات تعظُم بحجم الخطأ، ولعل سحب ترخيص مزاولة المهنة، تشهد به سجلات لا تخفى على مؤسسات الطب هناك وهنا، وحيث للإنسان موطئ قدم، وللطبيب مكان التقاء به..

أما الأخطاء التي تنجم عن جهل فهي بالتأكيد تكشف عن تزوير، وتلك ينبغي الاعتراف فيها بضعف الإنسان وحالاته الاستثنائية، التي يمكن أن تظهر حيث الإنسان يمارس بشريته.

أما تلك الأخطاء التي تحدث، وتتكرَّر عن التهاون أو التقاعس أو عدم توفير المعينات، والدعم، وتهيئة الأسباب فهنا، بالتأكيد يطلب أن يكون الطبيب إلى جانب علمه في تخصصه قدرته على ممارسة المهنة، وتمكنه من مهاراتها فهماً وتشخيصاً، وأيضاً رحابة بقدرة على تداول الحالات مع ذوي الخبرة في مجاله إن وقف في حيرة ما عند تشخيصه، وهو يفترض أن يكون بقدر اليمين الذي عاهد به نحو مسؤوليته عن الروح، والجسد والنفس في الكائن البشري بين يديه، لا تأخذه ذاته غروراً عند طلب المشاركة أو المشورة، إذ في عدمهما يحدث بروز الكثير من أخطاء التشخيص، ويذهب ضحيتها المريض، والطبيب الذي تتوفر فيه هذه القدرة، هو أيضاً بحاجة إلى إمدادات في آليات وأدوات التشخيص، فتوفير الأجهزة وصيانتها بشكل دائم.. يمكِّن من سلامة قراراته، فليس كل خطأ محوره الطبيب، وإن كانت تقع عليه مسؤولية التأكد من الأجهزة التي يعمل بها أو يحيل إليها، فبيئة الطبيب وإعداداتها تمكنه من الأداء السليم، والطبيب يحتاج إلى ثقافة موازية عن قواعد الشرع فيما يتعلق بالإنسان، فهو بالتأكيد يؤجر مرتين حين ينجح في عمله، أجره المادي المقابل، وأجره الخفي الذي لا يُطلع الله عليه أحد من خلقه، لأنه شأن الرب لا شأن العبد، لكنه مضمون له بضمان وعده تعالى.. فإذا كان الإنسان عليه أن يعطي الأجير أجره قبل أن يجف عرقه، ألا يعطي الخالقُ مخلوقَه الأجرَ الذي وعد..؟

الأخطاء الطبية ليست جميعها عدم معرفة الطبيب بمسؤوليته الإيمانية عن المريض، وليست فقط لعدم علمه بحدود الشريعة عند التفريط، وعلينا أن نفترض معرفته بها، لكنه لكي يمارس مهنته دون أخطاء، فإنه يحتاج إلى أن يكون في محكّات كل مستجد في مهنته، يطور مهاراته، ويحدث خبراته من جهة، وهي مسؤولية مشتركة بينه وبين جهة عمله التي عليها توفير الفرص لذلك، وعليها حين يكون الطبيب مستقلاً بمركزه أو عيادته أن تشرف على هذا الجانب، وتفرض تقديرات تقويمها، وقياس تصنيفها للأطباء وفق هذا التطوير المستمر لمهاراتهم وخبراتهم، ثم عليها هذه الجهة أيضا أن توفر، وتعين على توفير جميع مستلزمات الكشف والتشخيص والتحليل والعلاج للمريض، لتهيئ للطبيب عمله في يسر، ثم عليها أن تخلع عنها رداء البيروقراطية.. وتقلِّص من روتينها الورقي، وكثرة معابر التوقيع، وتفوض صلاحيات التنفيذ،.. وتتيح للحالات العاجلة الاستفادة من المنشأة بجعل الطبيب المقرِّر الأول في استقبال الحالات التي قد لا تتضاعف أو تموت بسبب تشخيص بل بعدم سرعة إنقاذ.. لطول الإجراءات، وفواصل البوابات، والمعابر.. ضماناً للوقت ومواجهة الحالات الطارئة... فهذا ضمن الأخطاء الطبية..

فالأخطاء الطبية جُلَّها ليست نتاج ولا حصاد أخطاء فردية، بل هي ناتج جملة من العوامل، الطبيب جزء فيها....

جيد بشكل كبير أن تعقد مؤتمرات تضم مختصين، تقيمها جامعات تمزج بين التنظير والتطبيق في دورة مهنة، يبدأ أساسها التعليمي منها، حين تدرس الجامعات الطبيب تعطيه علمه وتزوده بخبراته وتمدَّه بمعارفه المهنية، ثم هي تتابع نتائج غرسها في مثل هذه اللقاءات، إذن وهي تناقش الأخطاء الطبيبة من الجهة الشرعية في الرواق الأكاديمي وعلى أوسع منابره الحوارية، ينبغي أن تقترح، وتقر بتحديث، وتطوير، وإضافة منهج تعليمي للدارسين بكليات الطب يحتوي الجانب الفقهي الذي ينبغي على الطبيب العلم به، من أجل أن تتكامل معارفه وإلمامه بمنهج الجزاءات في مهنته، وحدودها شرعاً، إن لم يكن وإن كان. ويكون البدء من هناك عند التأهيل..لتخطو بذلك نحو تأصيل المسؤولية، ليستطيع الطبيب أن يعمل بما تعلمه..

ومن قبل ومن بعد تحية لجامعة طيبة.. لمديرها الأخ الزميل العزيز الطبيب الأستاذ الدكتور منصور النزهة، عميد كلية الطب سابقاً بجامعة الملك سعود حيث بصماته لا تنسى، وأدواره لا تغفل.

فموضوع المؤتمر شغل المتماسين مع موضوعه الشاغل، أتمنى أن يحصد نتائجه كما جاءت به الأهداف منه.

 

لما هو آت
الطبيب لا المريض في جامعة طيبة
د. خيرية إبراهيم السقاف

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة