Friday  07/01/2011/2011 Issue 13980

الجمعة 03 صفر 1432  العدد  13980

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

الجَشِعُون نوعٌ وجنسٌ يُشبهون نبات الحنظل شديد المرارة، وهم كالقلاع الحجريّة القديمة، يتدثّرون برائحة الرماد، لهم صدأ وسواد، محمّلون بالشُّح مثل قارب في بحر لُجِّي، إنهم يُشبهون الأعشاب البعيدة المنزوية، لا يعرفون الينابيع ولا مصبّات المياه وليس بهم لهفة، يمقُتون لون البرتقال ورائحة الزهور ولون الرخام الملوّن، أرواحهم فارغة وبها خواء، ليسوا ذهباً أو فضةً أو حريراً، إنهم حجرٌ وحصى وحديد، مطرهم إن انهمر فهو خديعة، وبحيراتهم وإن امتلأت فهي سراب، جلودهم منكمِشة، وعيونهم زائغة، شمسهم غير لامعة، وقمرهم غير مضيء، ليس بهم بهاءٌ ولا نقاءٌ ولا يشبِهون الثِّمار اليانعة، أرضهم سواد، أبوابهم وشبابيكهم مُغلقة، يجلسون في ظلمة الانكسار، في وحشة باردة منفاها بعيد، إنهم يُشبِهون المراثي الطويلة، أو مثل شواهِد حجريِّة على قبور عتيقة، إنهم لا يصلحون إلا للرِّثاء بسبب فُقدانهم لذائقة النفس والحياة، إنهم نسيجٌ روحي مُمزَّق يركبهم الشعور الآثم، والخديعة الآثمة، للأرض منهم ضيم، وللرحم ضيم، ولذرّات الكون ضيم، وللرّمل ضيم، إنهم لا يُشبهون الخصب ولا الطبيعة ولا الكون ولا الحياة ولا المناقِب ولا عيون المهاة، ليس لهم فسحة تفكير ذهني، بل يجهضون الفكرة والعاطفة، أجسادهم مطرّزة بالويل وبالوجع ولا يجري تحتها دم، يتلوّنون بألوان خادعة، ويصطبغون بأصباغ مريرة، واقعهم خسارة، ليس لهم سنابل ولا خبز ولا حنطة، لهم السواد لكثرة ما حدّقوا في الظلام، مساراتهم محن ليس بها عافية، على وجوههم خطوط لها انكسارات بائنة وخذلان، ليس بهم عفّة ولا زُهد ولا ترفُّع ولا عطاءٌ ولا تسامح، إنهم يشبهون النخيل المهزوم بفعل الرياح العاتية، واقعهم مأساوي مؤصّل، صفة سلوكية راسخة في وجدانهم، كل شيء تافه هو لديهم ذو أهمية حدَّ التخمة مثل السرير والغطاء، لديهم فلسفة مادية خاصة جعلتهم عبيداً للجشع، أبوابهم موصدة، ونوافذهم غير مشرعة، لا يحبون سماع زقزقة العصافير ولا التعلق بها، ولا هدوء الشمعة، ولا نرجسية السراج المنير، بل يعشقون أصوات الطبول والرياح العاتية، ليس لديهم فعل الإخصاب، ولا فعل حبّة القمح، إنهم جليدٌ، بل ألدُّ من الجليد، لا يسافرون إلا ويأخذون معهم العكّاز، والخبز اليابس، والصرّة المليئة بالفتات، لديهم تناقضات تسود مكوناتهم، في عوالمهم تطفو صور البؤس والحسرة، ليس لهم ديمومة، ولا خلود ولا يعرفون كيف يترعرعون في أحضان الحب، ليس لهم تعبيرات شفّافة، ولا وعي داخلي، بل تضادٌ وسذاجة، مظهرهم تعبير للفعل الناقم لجوهرهم، المال عندهم أول الحياة وخاتمة الحياة، ويستخدمونه لهذه الغاية، لا يملكون استيقاظ الوعي ووعي الاستيقاظ، بل يملكون هشاشة الوجود وهي محنة يتشاركون فيها ويبتكرون لها الأشياء والعناوين، ينحدرون بقساوة على مُنحدر السفح بتسليم فاضح منخذل، لا يسدون العون ولا المساعدة، نائمون وقلوبهم نائمة.

أيُّها الجَشِعُون.. لحظة من فضلِكم سألتقط لكم صوراً تذكارية وأخرى مع الحُزن والوجع الوحشي والمحتاجين النائمين في الزوايا الخلفية، ستكون صوراً هائلة ونقليّات حيّة؛ لكنها ستكون هائلة على مستوى الإخراج الإنساني والنفسي المُستديم، وستشهد عليكم الأرضُ بعد طول مُمانعة وقلّة عطاء وشحٌ وجشع، وحين يقيمون لكم الناس مآتم بعد نقل أجسادكم إلى أسوار المقبرة، ستعرفون بعدها بأن رفاق المال وأهل المال وعبدة المال وحدهم الخاسرون، وستكونون أكثر إيلاماً وأكثر سوءاً وأكثر بكاءً، ولن ينفعكم بعدها بخور الماء وورد الماء والعطر المصفّى، سيأكلكم الدود و(يُمَزْمِز) وينتهي كل شيء، وسيُصبح النملُ الأسود أعظم شأناً وخلوداً وعطاءً منكم.

ramadanalanezi@hotmail.com
 

الجَشِعُون!
رمضان جريدي العنزي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة