Saturday  08/01/2011/2011 Issue 13981

السبت 04 صفر 1432  العدد  13981

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

أستسمحكم العذر بأن أسترجع وأناقش معكم بعض ما اقترحته سابقاً منذ حوالي أربعة عشر عاماً في سبع مقالات بعنوان (التخطيط طوال المدى للحج)، نشرت كل يوم جمعة في جريدة الرياض على مدى سبعة أسابيع...

...كانت بدايتها في 17-1-1418هـ ونهايتها في 7-3-1418هـ ومقالة من حلقتين بعنوان (التخطيط للحج رؤية مستقبلية) نشرت في 6 و13-12-1418هـ كما كتبت مقالا في جريدة الرياض أيضا في العدد 10343 في 6-6-1417هـ الموافق 18-10-1996م بعنوان (أحد الطرق لزيادة الدخل القومي)، تحدثت فيه عن السياحة الدينية من قبل المسلمين في العالم تستمر طوال العام، وذكرت أنه يمكن تنظيم رحلات شاملة جميع النفقات تدفع قبل الحضور لزيارة الأماكن المقدسة لأداء العمرة، وكذلك زيارة الأماكن الأثرية في المملكة على طول أيام السنة، وطالبت بإنشاء وزارة للسياحة تسعى لاستقطاب المسلمين من شتى بقاع العالم للحج والعمرة، وبعد ذلك بثلاث سنوات أنشئت الهيئة العليا للسياحة في 12-1-1421هـ وبجانب ذلك كتبت مقالاً في جريدة الجزيرة بعنوان (ناطحات للسحاب في منى) بتاريخ 24-12-2007م.

واليوم أعود للتساؤل كما تساءلت سابقا كيف سنقابل زيادة أعداد المسلمين الراغبين في الحج، هل سنستمر في جعل حصص للدول كما هو معمول به، أم هل ستزداد حصص الدول الإسلامية من الحجاج مع زيادة عدد سكانها؟ وماذا عن توسع مكة المكرمة، وماذا عن حجاج الداخل، وهل سنستمر في مطاردة وعقاب ومنع من حج سابقاً وماذا... ماذا؟

وعندما يجاب على هذه الأسئلة سنجد أننا في حاجة لعمل تخطيط طويل المدى للحج، وللحرمين ومكة المكرمة والمدينة المنورة، تخطيط به نستطيع أن نتوقع عدد الحجاج مثلا للعام 2050م وهل المملكة مستعدة لحجاج ذلك العام الذي يمكن أن يصل ربما إلى عشرة أو خمسة عشر مليون حاج أو أكثر؟ أم هل سنقف عند العدد ثلاثة ملايين من الحجاج للداخل والخارج كل عام؟ وهل ستظل الدولة في نقاش وحوار دائم مع الدول الإسلامية كل عام للمحافظة على نسبة حجاج تلك الدول، وما هي النسبة مثلا للعام الذي ذكرت؟ لذلك يجب أن يكون هناك تخطيط طويل المدى للحج يتعلق بكل الأمور الصغيرة والكبيرة التي لها علاقة بالحج، مثل منافذ الحج، طرق نقل الحجاج للمشاعر، تغذية تلك الجموع، وسن قوانين صارمة تتعلق ببعض أمور الحج، مثل صحة وسلامة الحجاج من الكوارث المختلفة، وقبل كل شيء سمعة المملكة العربية السعودية خلال تلك الفترة القصيرة بجانب جعل مكة المكرمة والمدينة المنورة أجمل مدينتين في العالم يزينهما أجمل مسجدين في العالم أيضا.

وأعود للتساؤل مرة أخرى، هل يمكن عمارة مشعر منى؟

لا شك أنكم تعرفون أن البناء شرعاً في منى مكروه إذا كان للمنفعة الشخصية، حيث ذكر في كتب الحديث عن عائشة رضي الله عنها، قالت: يا رسول الله ألا نبني لك بمنى بناء يظلك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا، منى مناخ لمن سبق)، لذلك منى تابعة روحياً للمسلمين جميعاً، ومكروه البناء فيها لمنفعة فرد، وتساءلت هل يمكن بناؤها وعمارتها لصالح المسلمين جميعا على مر الأزمنة المقبلة وبذلك تنتفي المنفعة الشخصية للفرد؟

كما اقترحت سابقا تخطيط منى تخطيطًا عمرانياً سليماً، وأن تبنى في منى عمائر متعددة الأدوار مقاومة للزلازل، حيث إننا سنجد في يوم من الأيام أننا في حاجة لعمائر تتكون من مائة دور أو أكثر لاستيعاب حجاج المستقبل.

ولا شك أنكم تعرفون أن الدولة - حفظها الله - أمنت خياماً مقاومة للحريق سابقا، حيث ذكر سابقا أن الخيام المقاومة للحريق ليست الحل لكثير من المشكلات. كما أنه ولله الحمد يبدو أن فكرة بناء وعمارة منى نالت الاستحسان، حيث نفذ بناء ستة أبراج سكنية تستعمل حاليا لسكن حجاج مجلس التعاون، بإجمالي طاقة استيعابية لحوالي 19.200 حاج، كما أن هناك دراسة لإنشاء 212 برجاً سكنياً مماثلا لما نفذ لاستيعاب مليون حاج على سفوح جبال منى الشمالية تطل على جسر الجمرات، قد تمثل مستقبلا مدينة عصرية نموذجية تحتوي على خدمات متكاملة.

ولنفترض اليوم أن عدد الحجاج تقريباً ثلاثة ملايين حاج فسنحتاج إلى 300 برج من النوع المشيد حاليا فما بالكم إذا زاد عدد الحجاج في يوم من الأيام إلى ستة ملايين حاج أو إلى 12 مليون حاج أو أكثر، كم سنحتاج من الأبراج وما هي قدرة استيعابها؟

والتساؤل هل من المصلحة العامة أن أقلل عدد الحجاج والمعتمرين أو أن أقف عند عدد معين، أم أن المصلحة العامة تستلزم زيادة أعدادهم مستقبلا، وبالتالي زيادة القدرة الاستيعابية السكنية في مشعر منى؟

وكما تعرفون على سبيل المثال، إن بعض رجال الخير والمؤسسات تبرعوا لإنشاء أبراج كأوقاف لجامعة الملك سعود، تهدف إقامتها إلى تعزيز موارد الجامعة المالية والمساهمة في الأنشطة المختلفة وتفعيل العلاقة بين الجامعة والمجتمع، كما تهدف إلى ترسيخ الشراكة والتفاعل بين الجامعة ومحبيها، حيث بلغت قيمة أصول المرحلة الأولى ثلاثة مليارات ريال، ويتكون المشروع من 11 برجاً بعضها لخدمات الضيافة والفندقية مرتبط بمجموعة فندقية عالمية، وأبراج مكتبية وطبية، وخدمات للمؤتمرات والاجتماعات والاحتفالات، إضافة إلى الخدمات التجارية والأسواق.

وكما ذكرت أعلاه، إن في بلادنا أشخاصا يعتبرون من أغنياء العالم وهم كثيرون، مثل أولئك الذين تبرعوا لبناء أبراج جامعة الملك سعود، وبما أن الذكرى الطيبة للشخص والعمل الصالح هي الباقية، فأقول لهم اعملوا لآخرتكم مثل ما تعملون لدنياكم، والتبرع لبناء منى هو أبلغ طريقة للكرم، وما أجمل من أن يبذل المسلم ماله لخدمة الإسلام، فكروا؟ ماذا يمكن أن تعملوا لدينكم وبلادكم، لا أن تنتظروا ماذا يمكن لدينكم وبلدكم أن يعمل لكم، أفليس للحرمين الشريفين ملايين المحبين الذين يرغبون في إقامة أوقاف للحرمين الشريفين.

ولا شك أن الرؤية في مجال الأوقاف في المشاعر المقدسة تتمثل في تحقيق مزيج من التكافل الإنساني خلال الحج حيث سيثمر تنفيذ برنامج الأوقاف للحرمين في مشعر منى في توفير مصدر دخل ثابت ودائم يستخدم أساساً في دعم الحرمين الشريفين وفي بناء المزيد من الأوقاف إضافة إلى دعم البعد التكافلي من مساعدة المرضى المسلمين في أوقاف الحج بالمستشفيات وأعمال البر الأخرى، كما هو الحال في مشروع وقف الملك عبد العزيز للحرمين الشريفين، فلماذا لا تبنى بعض أبراج منى كأوقاف للحرمين الشريفين، من قبل بعض رجال الخير، بجانب ما تبنيه الدولة حفظها الله، وما تبنيه أوقاف الحرمين الشريفين وجعل كل الأبراج الجديدة وقف للحرمين.

فكروا كيف يمكن أن يعتمد الحرمين الشريفين على موارد دائمة التجديد لا تنضب للمستقبل وقابلة للزيادة، موارد يستغلها في الأيام العجاف، فلا أحد يضمن، موارد للحرمين ولنقول بعد مائة عام أو أكثر على سبيل المثال، هذه الموارد المتجددة تصرف على كثير من الأمور مثل:

- صيانة الحرمين الشريفين ومناطق المشاعر المقدسة على مر العصور.

- صيانة بئر زمزم لبقية العمر.

- تجميل الحرمين الشريفين بحيث يصبحان أجمل مسجدين في العالم يليقان بمسميات بيت الله في مكة ومسجد رسوله صلى الله عليه وسلم في المدينة.

- تطوير المشاعر المقدسة، بما تحتاجه مستقبلا.

- العمل على زيادة عدد دورات للمياه كافية في مكة والمدينة وخاصة حول الحرمين والمشاعر، لنقضي على الطوابير الطويلة، (من حج أو اعتمر يقدر المشكلة).

- العمل على زيادة عدد جسور وأنفاق للمشاه في مكة والمدينة لتسهيل الحركة المرورية أمام الزوار لتقليل الاختلاط بين المشاه والمركبات.

- الصرف على طباعة المصحف الشريف بقية العمر.

- مساعدة المسلمين من قبل الحرمين في جميع بقاع العالم خاصة أثناء الكوارث الطبيعية والصناعية والحروب من زلازل وفياضانات وغيرها.

- المساهمة في زيادة عدد المساجد في العالم الإسلامي.

- نشر الكتب والبحوث الإسلامية بلغات العالم المختلفة وتوزيعها على مساجد العالم.

- الصرف على الدعوة الإسلامية في جميع بقاع الأرض.

- أمور أخرى مهمة كثيرة تعتبر من أمور البر يمكن إضافتها.

وأخيراً تذكروا أننا نعيش في عصر سخر الله لنا فيه من الوسائل والإمكانات الكبيرة والعقول والأموال ما يجعلنا نفكر التفكير السليم، وتذكروا أيضا أننا نعيش في عصر ناطحات السحاب للتغلب على مشكلة ضيق المكان، لذلك يجب أن تعد البنية التحتية لتلك الأبراج الوقفية، بحيث يمكن إضافة أدوار جديدة عليها مستقبلا قد تصل لأكثر من مائة دور حتى لا نضطر لهدمها مستقلا، بحيث يزداد عدد الأدوار في كل برج ليستوعب عدداً أكبر من الحجاج والمعتمرين.

لنحول منى إلى مدينة حية طوال العام، تلك المدينة ليس بها سكان دائمون وإنما سكانها من المعتمرين والحجاج فقط الذين يغادرون منى بعد وقت قصير بعد أداء فريضة العمرة والحج ويأتي غيرهم، مبانيها مقاومة للزلازل تربطها بمكة وجدة والطائف وبقية مدن المملكة شبكة من الطرق السريعة والقطارات السريعة العصرية والمطارات، والسيارات التي تسير من دون سائق وإنما عن طريق الليزر لمنع السرعة والتصادم مثل تلك التي تستعمل حاليا في مطار هيثرو في المملكة المتحدة.

إنني أحلم مع غيري بذلك اليوم الذي يتجه فيه المسلم من أي بقعة في العالم إلى البقاع الطاهرة سواء للعمرة أو الحج وأن يكون حجزه ودفع تكاليف الإقامة البسيطة والتنقل عن طريق الإنترنت، وأنا واثق من أن ولاة أمرنا - حفظهم الله - يحبذون مثل هذه الأفكار ويحلمون معي بذلك اليوم.

فهل يمكن عمل أوقاف للحرمين في مشعر منى من قبل الدولة حفظها الله، زيادة على أوقاف الملك عبد العزيز للحرمين، وأيضا فتح باب التبرع للأفراد لإنشاء أبراج منى، يكون ريعه للحرمين الشريفين، ليصبح نهراً لا يتوقف خيره أبد الدهر، مهما تغيرت الظروف والأحوال.

والله الموفق لما فيه خير الإسلام والمسلمين.

عضو مجلس الشورى

 

بناء أوقاف للحرمين
د. عبد الملك بن عبد الله زيد الخيال

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة