Sunday  09/01/2011/2011 Issue 13982

الأحد 05 صفر 1432  العدد  13982

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

بذرة صغيرة لا وزن لها ولا قيمة، تحيط بها شعيرات دقيقة مهمتها مساعدة البذرة على الانتقال والانتشار، تطير بها الرياح ثم تحطها هنا أو هناك، إما في أرض جدباء قاحلة، أو على ضفاف نهر عذب ماؤه، كثيرة خيراته، وكحال كل بذرة، كانت بدايات الإنبات متواضعة، وفي أجواء غير مواتية، لكن هذه البذرة بدت في مرحلتها الأولى جميلة جذابة، ولكونها غريبة، لم يلق لها بال، وتم تجاهلها، لكن وعلى الرغم من عدم الالتفات لها، استطاعت أن تنمو وتتنامى، وبعد فترة من الزمن، أينعت وازدهرت وتكاثرت بذورها، وبالطريقة نفسها تناثرت البذور وتكاثرت على ضفاف النهر وفق متواليات هندسية عجيبة، وفي غفلة وعدم مبالاة، دخلت هذه البذور إحدى المزارع المنتشرة على ضفاف النهر، لم يلق صاحب المزرعة بالاً بهذه النبتة الغريبة الدخيلة، لم يلتفت لها ولم تلفت نظره، بل عدها مما يتزين به، لاسيما وأن هذه البذور أنتجت في مزرعته أشجاراً جميلة الشكل، حسنة المظهر، أسرت زينتها عيون الناظرين وبهرتهم، وانتشت النفوس لطيب شذاها، وتحت عباءة هذه الانطباعات السارة، والفرحة العارمة، بادر المزارع نفسه إلى دعمها، وتسهيل سبل التوسع في زراعتها، فتسارعت خطى نمو هذه النبتة الغريبة في تكوينها وشكلها، وتكاثرت أعدادها، وانتشرت في أرجاء المزرعة كسرعة انتشار النار في الهشيم، فغدت ملء السمع والبصر في كامل أركان المزرعة، أينما التفت المزارع رآها تتمايل وتتراقص طرباً، فيسر نظره ويفرح، وأينما جلس وجدها أمامه فتبتهج نفسه وتنشرح أساريره.

وبعد أن اشتد عود هذه النبتة النشاز، وتكامل نموها واستوت على سوقها، بدت ملامح أخرى لها خلاف ظاهرها المزيف البراق، بدت كوامنها المخفية المخيفة تظهر علانية، فظهرت علامات تبعث على القلق، ومع توالي الأيام صار أثرها وتأثيرها يتبدى للدوائر المحيطة بها، ويتكشف مدى خطرها وخطورتها، عندئذ بان للمزارع، وبان للغافلين عنها، المعجبين بمظهرها، حقيقة أمرها الخفي، وذلك بعدما كشفت عن وجه قبيح، ونوايا خبيثة، وشر وشرور مستطيرة، تلفت من كان بالأمس فرحاً مسروراً، من كان مؤيداً وداعماً، تلفت يبحث عن حل ومخرج، وكانت الالتفاتة متأخرة، والبحث فات أوانه، اسودت الدنيا في وجه المزارع، وضاقت به السبل، وضاق ذرعاً مما أحدثته هذه النبتة الخبيثة من تدمير لمزرعته وتشويه لجهوده وكده وتعبه، وصار يردد بكل حسرة وندم مقولة: «يداك أوكتا وفوك نفخ» هذا ما جنته يداي ولم يجن عليّ أحد، فبيديه مد العون والمساعدة، وبفيه أباح بمدى إعجابه واستحسانه، فصار يلوم نفسه أن سمح لهذه النبتة الشريرة أن تنمو وتتنامى، أن تكبر وتنتشر، في حين كان بوسعه وبمقدوره أن يتخلص منها بكل يسر وسهولة، فقد كان بجهد يد واحدة يستطيع أن يقتلعها من جذورها، وأن يمحو أثرها تماماً.

في ظل هذا التنامي السرطاني، والعنفوان الشيطاني، كان لابد من جهد منظم، وتوجه صارم، واستعانة بكل ما يمكن من وسائل ممكنة، وطرق مناسبة، لاجتثاث هذه النبتة الخبيثة من جذورها، تمهيداً للتخلص منها إلى غير رجعة.

وبحسب معطيات المنطق السليم، كلما كانت المقدمات صحيحة، تكون النتائج المتوقعة صحيحة مسددة، ولهذا ولكون المقدمات التي بنيت عليها توجهات اجتثاث النبتة غير صحيحة، حيث ساد اعتقاد بل جزم لدى المهتمين والمتابعين وكثير من المغرضين أن عمال المزارع هم من يتحمل مسؤولية انتشار هذه النبتة وتغذيتها وتوسعها وتبعات ما ترتب عليها، ويلحظ من تابع الأخبار المزعجة لآثار هذه النبتة أن هناك تأكيداً وتصريحاً بأن النبتة محلية الأصل والمنشأ، وهذا ممازاد من ألم العاملين وانزعاجهم، فهم براء من جلب النبتة أو استنباتها وتغذيتها، بل هم في الواقع ضحايا لما ترتب على إهمال تكاثرها وتناميها.

وكان لابد من جهد لاستئصال هذه النبتة، فاتجهت الأنظار إلى المنابع بغية تجفيفها، ورئي أن مقولة: «اقطع لها من جنبها عصا» أفضل وسيلة لاقتلاع هذه النبتة ومحاربتها، فطالما أن هناك مصادر إمداد تغذي النبتة من داخل المزرعة فإنه يتعذر القضاء عليها، لذا جيء بنبتة مماثلة تمتلك ميكانزمات خاصة وقدرات فائقة على إفراز مادة تقضي على شجيرات النبتة اللاتي ينتجن كل عام بذور الشر، وعلى الرغم من السيطرة التامة على تكاثر هذه النبتة، إلا أن شرها مازال يتوالى لأن تغذيتها أتت ومازالت تأتي من خارج المزرعة وليس من داخلها.

 

أما بعد
اقطع لها من جنبها عصا
د. عبد الله المعيلي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة