Sunday  09/01/2011/2011 Issue 13982

الأحد 05 صفر 1432  العدد  13982

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

في زيارتي الثالثة لـ »حائل».. قبل ما يزيد عن أحد عشر عاماً، وبالتحديد في أواخر شهر سبتمبر من عام 1999م.. لإجراء «حوار» متفق على موعده مع أميرها الجديد آنذاك صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز.. لنشره في العدد «التالي» من مجلة (الإعلام والاتصال).. أخذنا «الحوار»، .....

..... الذي امتد بنا من السادسة مساءً لما بعد منتصف الليل.. إلى كل مناحي الحياة... في «حائل» المدينة والمنطقة، والأمير يتدفق صدقاً وصراحة وحميمية، وهو يتحدث عن واقع حائل ومعاناتها، وعن أحلامها وطموحاتها، وعن احتياجاتها و»كتمانها» الذي لخصه آنذاك.. عندما قال: «بعض المناطق تعيش ترفاً مشاريعياً.. بينما نحن في حائل نعيش شظفاً مشاريعياً» إن جاز التعبير.. لكن أحوال حائل تغيرت في أواخر أيامه، وفيما بعد.. مع خلفه صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبدالمحسن، وأصبح «فرع الجامعة» الذي كان يتمناه جامعة باسم حائل، ترتبط علمياً بواحدة من كبريات جامعات العالم وأرقاها (السوربون)، وغدا ازدواج طريق القصيم حقيقة، وأصبح الطريق (الحلم) إلى مدينة «الجوف» واقعاً يعيشه العابرون عليه من الجنوب إلى الشمال ومن الشمال.. إلى الجنوب.

في ختام ذلك الحوار الذي لا أظنني أنساه ومهما توالت الأيام.. سألت الأمير مقرن.. سؤالاً تمهيدياً عن «الآثار» في «حائل»، لأنطلق منه -بعد إجابته.. بأنها ثلاثة وأربعون موقعاً مسجلاً ومحمياً- إلى سؤاله عن مدى الإمكانية في إقامة مهرجان ثقافي سنوي يضم في فعالياته الأدب إلى الشعر والمسرح إلى التشكيل والفنون الشعبية والموسيقية، فأخبرني بأن هناك «لجنة» تدرس الفكرة.. لكن «المشكلة» من وجهة نظره، هي أين يُستضاف هؤلاء القادمون للمشاركة في هذا المهرجان، ولم تكن أعداد الفنادق ومستوياتها.. آنذاك تشجع على الإقدام على الفكرة، لكنني.. أذكر، وقد جئت لمكتبه في الثامنة والنصف من صباح اليوم التالي (السبت) مودعاً.. أنني قلت له: هل هناك من مانع في أن يحمل المهرجان اسم (حاتم الطائي).. مثلاً؟ وهو من هو شهرةً وقيمةً في الوجدان العربي.. كما في الذاكرة العربية.

فقال إن لم تخني الذاكرة: يُستحسن.. أن نسأل، وانصرفت ومعي حقائب من الإعجاب به، والمحبة له، ولأبناء حائل وشبيبتها ورموزها.

توالت بعد ذلك.. زياراتي ل»حائل» مع قدوم أميرها الجديد (سعود بن عبدالمحسن)، فكان من حسن حظها.. أن يتعاقب عليها أميران ينتميان -رغم فارق السن بينهما- إلى العصر ولغته وأفكاره وطموحاته. ولعل «رالي حائل» -أو سباق حائل للسيارات- الذي لفت الأنظار إليه محلياً بقدر ما لفت الأنظار إليه.. عالمياً، يمثل عينة لأفكاره في جانب شغل أوقات فراغ شباب المنطقة، الذين يزيد عددهم عن النصف من أبنائها.. بشدهم إلى عوالم أخرى من الاهتمامات.. غير ما عرفوا وألفوا، تبعدهم عن الضياع وسفح الوقت فيما لا طائل من ورائه، ولا أريد أن أسترسل في سرد ما أنجزه الأمير وما لم ينجزه، فذلك حديث آخر.. غير مناسبة الحديث عن «حاتم الطائي» المثارة اليوم إعلامياً، والتي أكتب عنها الآن.. مسترجعاً بدايتي الشخصية معها في «الحوار» مع الأمير مقرن، ثم بتلك الدعوة التي تلقيتها من نادي حائل الأدبي الثقافي.. للإسهام في موسمه المنبري لعام 2008م، وقد أغراني سكرتير النادي -الأستاذ شتيوي الغيثي- بلطفه وعذوبة حديثه.. بأمرين: «التخلي» عن مبدأ الاعتذار الذي كنت أنويه من منظور ب»أن ما يليق بمن أتحدث إليهم، وبي.. لا أستطيعه، وأن ما لا يليق بهم وبي.. لا أقبله»، و»قبول» الدعوة.. بعد أن فتح لي أبواب اختيار «الموضوع» الذي أرغب الحديث عنه وفيه على مصراعيها وبحرية مطلقة، فاخترت بعد تفكير لبضعة أيام.. أن أتحدث عن ابن من أبناء حائل وجبليها العظيمين: أجا وسلمى، ونجم من نجوم الجزيرة العربية.. والأمة العربية قاطبة، الذي سافرت قصته وحياته وشعره وفلسفة كرمه إلى أصقاع الدنيا.. فعلم بها القاصي والداني من أبناء العروبة، حتى لم يبق أحد -حسب ظني- لم يعلم أو يسمع ب»حاتم الطائي» وكرمه وشجاعته ومروءته، وقد كان هدفي من العودة لهذه اللمحة من «التاريخ العربي».. أن أطلق صرخة عربية جديدة لعلها تجد من يسمعها. من يعيها. من يفهمها من أولي العزم.. بعد أربعة عشر عاماً من إطلاق شاعرنا الكبير نزار القباني ل»سؤاله» الدامع والرائع في قصيدته الشهيرة: «متى يعلنون.. وفاة العرب».. والتي قال فيها:

«أنا منذ خمسين عاماً

أحاول رسم بلاد

تسمى - مجازاً - بلاد العرب.

رَسمتُ بلون الشرايين حيناً

وحيناً رسمت بلون الغضب.

وحين انتهى الرسم، سألت نفسي:

إذا أعلنوا ذات يوم وفاة العرب..

ففي أي مقبرة يدفنون؟

ومن سوف يبكي عليهم؟

وليس لديهم بنات..

وليس لديهم بنون..

وليس هناك حزن..

وليس هنالك من يحزنون»..!!

فتنادى المتحذلقون والمنافقون بطلب رأسه.. إلا أنه صَحَّ ما قاله، وأصبحت الأمة العربية بتاريخها الطويل وثقافتها الضاربة في أعماق القرون تنام على «المحفة».. في انتظار لحظة دفنها، فكان استرجاعي ل»التاريخ» من خلال حاتم الطائي وحياته.. حتى وإن بدت متواضعة عند الآخرين -وربما عند نفسي- خير من الصمت ووضع كفي تحت خدي.

أخبرت الأستاذ شتيوي بموضوع المحاضرة.. وأنه عن «حاتم الطائي» وحياته، فسألني: ولكن.. من أي الزوايا؟

فقلت: من الزاوية التاريخية للعرب.. أو شيء كهذا.

فقال: على بركة الله.

شرعت بعد ذلك في كتابة المحاضرة مطمئناً، لكن.. وفي أسبوع موعد المحاضرة، تلقيت اتصالاً هاتفياً من أحد موظفي سكرتارية النادي المتعاقدين، يسألني فيه عن اسمي الثلاثي.. وموعد حضوري.. وبعض التفاصيل الأخرى، فاندهشت وسألته: ولِمَ كل هذا..؟

قال: حتى نحيط الجهات الأخرى.. كالعادة!

وعندما لاحظ استنكاري.. عاجلني باعتذاره قائلاً: هذه أشياء روتينية.. نقوم بها عادة.

فقلت له: خيراً، ووضعت سماعة الهاتف.. بعد توديعه، لأعاود الاتصال به في مساء اليوم نفسه أو في صباح اليوم التالي.. راجياً منه إبلاغ الأستاذ شتيوي ب»اعتذاري» عن تقديم المحاضرة، فقال لي.. وكأنه سعد بخبر الاعتذار: لكن لا بد أن تتصل بالأستاذ شتيوي؟

قلت له: سأفعل إن شاء الله.. ولم أعد أذكر الآن إن كنت قد فعلت ذلك أو لم أفعله، فقد استقر في ظني (إن صواباً أو خطأً).. بأن هناك اختلافاً في الرأي من داخل النادي أو خارجه حول «موضوع» المحاضرة عن حاتم الطائي!!

وإذا كان ما حدث قد أضاء «لمبة حمراء» في داخلي.. إلا أنني آثرت الصمت، ثم قمت بنشر المحاضرة -على حلقتين- في «المجلة الثقافية» التي تصدر صباح كل خميس مع عدد جريدة الجزيرة في ذلك اليوم، لكن بعض الأسئلة.. ظلت تشغلني: أكان سبب التحفظ على حاتم الطائي.. لأنه ينتمي إلى العصر الجاهلي -كما يحب البعض- وليس عصر (ما قبل الإسلام) كما هي الحقيقة؟! أم لأن «حاتماً».. لم يدخل الإسلام.. وكيف له ذلك وقد قضى قبل ستة أعوام من «الرسالة» كما تجمع أغلب المراجع، وأولها كتاب (الأغاني) لأبي الفرج الأصفهاني؟! ألم يكن يكفيه ما فعلته تربيته لابنته (سفَّانة)، التي عندما أُسرت قالت قولها الجميل.. فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم.. صاحب الرسالة والدعوة بتسريحها لأن (أباها كان يحب مكارم الأخلاق)!! فأسلمت وأسلم أخاها (عدي)! وألم يكفه ما فعله حفيده (الطرماح بن عدي) من نصرة ل»الحسين بن علي» كرم الله وجهه..؟!

ثم كيف -قبل أو بعد كل هذا- يُدرس أدبه وشعره وحياته في المدارس كما علمت.. بينما يجري التحفظ على فكرة إطلاق اسمه على مهرجان لم يقم.. أو إفشال محاضرة عنه حتى لا تلقى..؟

لست أدري.. فقد ظلت جميع أسئلتي بلا إجابات..

لذلك.. لم أدهش عندما أثار «الإعلام» فجأة موضوع اسم «مدرسة حاتم الابتدائية»، الذي طالب مديرها الجديد ب»تغييره» إلى «مدرسة حاتم الطائي الابتدائية» وكما كان عليه اسمها الذي عرفت به.. فقيل له بعدم إمكانية ذلك، ليُفتح ملف المدرسة كاملاً.. فيظهر أن الاسم المصرح به عند إنشاء المدرسة عام 1417ه بأحد المباني المستاجرة هو «مدرسة حاتم الابتدائية»، إلا أن «الخطاط» الذي أعد اللوحة للمدرسة -كما قيل- أخطأ وكتب (من عندياته) مدرسة حاتم الطائي الابتدائية!! لكن خطأ الخطاط استمر حتى عام 1428ه.. عام انتقال المدرسة إلى مبناها الحكومي الجديد.. حيث تقيد (الخطاط) أو المقاول الجديد بالاسم المصرح به (مدرسة حاتم الابتدائية)، لكن مدير المدرسة انتبه إلى خطأ هذا (المقاول) أو الخطاط الجديد.. وطالب بتعديله إلى (مدرسة حاتم الطائي الابتدائية) فتلقى الإجابة التي أشرت إليها!! ليبقى كل هذا «اللغط» العجيب والمثير غير قابل للفهم من جانب.. وغير قابل لتفسير مقنع عند الأغلبية من الجانب الآخر، ولكن أحد كبار مسؤولي التعليم في منطقة حائل استطاع بحكمته.. وضع خاتمة عقلانية رشيدة، لهذا «اللغط» عندما نُقل عنه بأنه: لا تحفظ لدى إدارة تعليم المنطقة.. بتغيير الاسم إلى «مدرسة حاتم الطائي الابتدائية».. وهو ما سيتم.

رغم النهاية السعيدة لهذا «اللغط» فإنه كشف لي في طياته عن حذر ديني زائد كالذي لمسته في أول ذكر لي لاسم (حاتم الطائي)، وعن اندفاعات غير مقبولة كالتي عايشتها في تجربتي الثانية، وكلاهما يحتاج إلى وقفة متأملة عاقلة رشيدة.

أما الخطاط «الأول».. فلم يخطئ -من وجهة نظري- بل أصاب بعفوية ثقافته ومعرفته، عندما لم يكتب مدرسة حاتم الابتدائية.. بل كتب (مدرسة حاتم الطائي الابتدائية).. وهو ما يستحق عليه التهنئة، بدلاً من أي خطاب توبيخ قد يوجه إليه بتهمة «التقصير» أو عدم الدقة.

 

«حاتم الطائي».. للمرة الثالثة..؟
د. عبد الله سليمان مناع

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة