Sunday  09/01/2011/2011 Issue 13982

الأحد 05 صفر 1432  العدد  13982

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

منوعـات

      

دائمًا يطرأ على ذهني هذا السؤال: متى آخر مرة قلت آسف لأي كان؟ يبدو السؤال غريبًا بعض الشيء، لكنه سؤال مهم وجذري في ثقافتنا، لأنه من السهل أن تجد هذه الكلمة متكرّرة يوميًا في ثقافات الشعوب الأخرى، لكنها مفقودة تمامًا عندنا، قد يقول البعض إن هذه الشعوب تكرِّرها بحكم العادة لكنها لا تعنيها، لكن إشاعة مثل هذه الكلمة بين الناس تخفِّف من الكره والضغينة والبغضاء.

من الطبيعي أن يقولها الطفل لأبيه أو لأمه، أو الزوجة لزوجها، أو التلميذ لمعلمه أو معلمته، فأمر وارد أن يبادر بها الطرف الضعيف إلى الطرف الأقوى، لكن التحدي الأكبر هو أن يحدث العكس، أن تقولها أنت كأب لابنك، أن تقولها كزوج لزوجتك، أن تقولها كرئيس لمرؤوسك، أن تقولها كموظف لمراجعيك، أن تقولها كمستخدم لخدمك، باختصار أن تقولها كصاحب سلطة وقوة إلى شخص ضعيف في ترتيبه الاجتماعي أو الوظيفي قياسًا بك! فهل تستطيع أن تفعلها؟

قد يرى البعض أن ذلك يرتبط بكرامتك، كصاحب سلطة ومقام لا يليق به أن يعتذر لمن هو أدنى شأنًا، لكن ذلك غير دقيق، فلا علاقة لثقافة الاعتذار بكرامة الإنسان، بل إن ثقة الإنسان بنفسه وعلوّها تجعله يقبل على الاعتذار بكل بساطة وشفافية.

سألت أحد أصدقائي حين شكا لي حاله مع بيته، زوجته وأولاده، متى آخر مرة قلت فيها آسف لأحدهم؟ فأجاب بأنه لم يقلها في حياته أبدًا لأي كان، قال ذلك باعتداد وكبرياء، فابتسمت وأنا أسأله: لماذا؟ قال لي: بأنه لم يخطئ على أحد في حياته! (كأنها كبيرة إن لم يخطئ في حياته أبدًا)، (فكل ابن آدم خطّاء وخير الخطّائين التوَّابون)، كما في الحديث القدسي.

يقول لي أحدهم إنه ذهب إلى صديقه في عمله كي يعتذر منه في خطأ كان مشتركًا بينهما، فقابله هذا الآخر بتعالٍ وفوقية، ومع ذلك يقول إنه حينما خرج من المبنى شعر براحة وطمأنينة وصفاء ضمير، فكم بيننا مثل هذا الشخص النبيل؟ وكم بيننا أيضًا مثل هذا المتعالي الذي ظنّ أنه صاحب حق، وأنه أعلى شأنًا؟

لو انتقلنا من الشأن الأسري إلى الشأن العام، فكم موظفًا بعدما أهمل معاملتك أو أضاع أوراقك، وطلب منك إحضارها من جديد، قال لك: آسف؟ كم طبيبًا بعدما ارتكب خطأ طبياً ضدّك (ولم يتم تغريمه طبعًا، أو كفّ يده عن العمل) قال لك: آسف؟ وكم مدير جامعة حينما لم يضمن مقعدًا لابنك في جامعته قال لك: آسف؟ وكم مدير مستشفى لم يستطع أن يوفّر سريرًا لك أو لأبيك أو لطفلك، وقال لك: آسف؟ كم صاحب عمل فصل عاملاً أو موظفًا ليس لإهمال أو تسيّب، وإنما لظروف منشأته، وقال: آسف؟ كم مغرِّرًا قاد ابنك بخطبه أو فتاواه إلى العراق أو أفغانستان بحجّة الجهاد، وحين اكتشف خطأه قال: آسف؟ مع أن كل هذه (الآسفات) لن تعيد المريض إلى حالته، ولن توفِّر مقعدًا لابنك في جامعة، ولن توفِّر سريرًا لمريضك، ولن تعيدك إلى العمل، ولن تعيد ابنك المفقود إلى البيت... لكنها على الأقل تدفع عنك الحقد تجاه هذا البلد، الذي ستشعر أنه لا يعبأ بك، ولا بحقوق المواطنة التي تطالب بها، وتنتظرها كل صباح وأنت تشرب فنجان قهوة ساخن!

أخيرًا أنا آسف للإطالة!









 

نزهات
أنا آسف!
يوسف المحيميد

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة